وقّعتُ الطلاق وابتسم… لكنه لم يكن يعلم أنني أخذتُ كل شيء

وقّعتُ الطلاق وابتسم… لكنه لم يكن يعلم أنني أخذتُ كل شيء

صرخ:
«أنتِ مجنونة! أين ستعيشين؟!»
ابتسمتُ.
ابتسامة امرأةٍ لم تعد تخشى فقدان شيء، وقالت بهدوءٍ لم يستوعبه:
«لديّ منازل أخرى. كثيرة في الواقع».
ساد صمتٌ ثقيل.
صمتٌ يفضح الحقيقة أكثر من أي صراخ.
ثم سألته بهدوءٍ قاتل:
«وأنتَ يا ريكاردو؟ أين ستعيش؟»
في الخلفية، كانت أمه تصرخ هستيريًا:
«قل لي إن هذا غير صحيح! قل لي إن البيت ليس لها!»

تلعثم ريكاردو، وكأن الكلمات خانته لأول مرة:
«إيلينا… هل يمكن أن نتحدث؟ أن نلتقي… من فضلك؟»
قاطعته بلا تردد:
«ولِمَ تحتاجني؟
أليست فيوليتا معك الآن؟»
صمت.
ذلك النوع من الصمت الذي لا يُجاب عليه.
ثم قلتُ أخيرًا، بنبرة لم تعرف الرحمة ولا القسوة، بل الحقيقة فقط:
«لا تُسمِّ خيانتك حرية.
ليست المشكلة أنني لا أستطيع العيش من دونك،
بل أنك لا تستحق العيش داخل ما بنيتُه».
وأغلقتُ الهاتف.
بعد ثلاثة أيام فقط، كان المكتب يعجّ بالأخبار.
الهمسات تنتقل أسرع من القهوة الصباحية.

«فيوليتا استقالت».
«الخاتم الذي قُدِّم لها… تم شراؤه بالدَّين».
«عائلة ريكاردو أُجبرت على المغادرة—لا حق قانونيًا لهم بالبقاء».
الرجل الذي سمّى الطلاق تحرّرًا،
بات يستأجر شقة صغيرة بلا شرفة، بلا روح، بلا امتيازات.
أما أنا؟
كنتُ أجلس في شقتي الجديدة في برج مرتفع يطلّ على المدينة،
أشرب قهوتي بهدوء، وأراجع مخطط مشروع جديد.
لم أسعَ للانتقام.
فقط أعدتُ كل شيء إلى مكانه الصحيح.
يسألني الناس كثيرًا:
«هل ندمتِ؟»
وأجيب دون تردّد:
أبدًا.
الندم على خسارة شخص لا يقدّرك حماقة،
لكن الندم على خسارة شخص حاول استغلالك؟
ذلك جنون.
بعد شهر، طلب ريكاردو اللقاء.
ذهبتُ فقط لأرى ما تبقّى من الرجل الذي ظنّ أنه انتصر.

كان أنحف.
مرهقًا.
عيناه فارغتان، كأنهما فقدتا بريق السيطرة.
همس بصوتٍ مكسور:
«إيلينا… سامحيني».
قلتُ بهدوءٍ صادق:
«لا أحتاج إلى اعتذارك».
قال، وكأن الكلمات تُنتزع من صدره:
«لقد أخطأت».
أجبته دون انفعال:
«سواء أخطأت أم لا، لا يهم.
المهم أنك أدركتَ أخيرًا ما خسرته».
رفع رأسه ببطء وسأل، بصوتٍ يرتجف:
«ما زلتِ تحبينني… أليس كذلك؟»
ضحكتُ.
لم تكن ضحكة شماتة، ولا سخرية،
بل ضحكة امرأةٍ أدركت متأخرة كم كانت تمنح قلبها لمن لا يستحق.

قلتُ بهدوءٍ لم أتوقعه من نفسي:
«أنا أحبّ نفسي.
وهذا هو الفارق بيني وبينك».
شدّ فكه بيأس،
وقال بصوتٍ أقرب إلى الانهيار:
«لا أستطيع العيش من دونك».
نظرتُ إليه طويلًا.
نظرة امرأةٍ رأت هذا الرجل يومًا مركز عالمها،
ثم اكتشفت أنه لم يكن سوى ظلٍّ عابر.
قلتُ بلطفٍ صادق:
«بلى، تستطيع.
وأنت تفعل ذلك بالفعل، حتى وإن أنكرت».
امتلأت عيناه بالدموع.
لم تكن دموع ندمٍ خالص،
بل دموع رجلٍ خسر الامتياز لا الحب.
قال متوسلًا:
«أعطيني فرصة أخرى… أرجوك».
اقتربتُ قليلًا،
لا بدافع الشفقة،
بل لأقول الحقيقة كاملة بلا مواربة:
«الفرصة الثانية تُمنح لمن عرف قيمة الأولى،
لمن خاف خسارتها،
لمن صانها وهو يملكها.
وأنت… لم تفعل».

حاول مرةً أخيرة،
كمن يمسك بالقشة الأخيرة قبل الغرق:
«أنا… أفتقدك».
نهضتُ ببطء،
حملتُ حقيبتي،
ونظرتُ إليه نظرة وداع لا رجعة فيها.
قلتُ بهدوءٍ حاسم:
«وأنا لا».
لم يمنعني.
لم يمدّ يده.
لم ينادِني باسمي كما كان يفعل يومًا.
ربما لأنه أدرك أخيرًا
أنه لم يعد يملك هذا الحق،
ولا هذه المساحة في حياتي.
كثيرًا ما يسألني الناس:
«كم من الأزواج المطلقين يعودون لبعضهم؟»
وأجيب دائمًا بنفس الكلمات،
دون تردّد،
ودون حنين:
«العودة إلى من خانك
تشبه محاولة لصق مرآة مكسورة.
حتى لو نجحتَ في جمع القطع،
حتى لو بدت كاملة من بعيد…
فالشرخ سيبقى هناك،
يذكّرك كل يوم بما انكسر».
لم أنظر إلى الوراء.
لم أتوقف عند الذكريات.
لم أراجع قراري ليلةً واحدة.
لأن بعض الأبواب لا تُغلق ندمًا،
بل تُغلق نجاة.
والحقيقة التي تعلّمتها متأخرة،
لكنها غيّرت حياتي إلى الأبد، هي هذه:
ليس كل من يرحل خاسرًا.
بعضهم يرحل لأنه فهم أخيرًا قيمته،
لأنه اختار نفسه،
لأنه رفض أن يكون خيارًا ثانويًا
في حياة من لم يره يومًا أولوية.
وأنا…
كنت واحدة من هؤلاء.