دخل مطعمًا فاخرًا ليحتفل بنجاحه… فوجد زوجته السابقة الحامل تعمل نادلة!
عاد سيباستيان إلى المطعم مرةً أخرى، لكن هذه المرة لم يكن الرجل ذاته الذي اعتاد الدخول بثقة المتحكّم بكل شيء.
لم يرتدِ بدلة فاخرة، ولم تصل به سيارة فارهة، بل دخل بهدوء رجلٍ يحمل في صدره ثِقل أسئلة لم يعرف لها إجابة منذ سنوات.
طلب الجلوس في القسم الذي تعمل فيه تحديدًا، وانتظر.
وعندما وقع بصر إيزابيلا عليه، تجمّدت لثوانٍ في مكانها.
ارتجفت يداها وهي تمسك الدفتر، واضطرب تنفّسها، لكنها حاولت أن تخفي ذلك خلف ملامح مهنية جامدة.
تقدّمت نحوه بخطوات محسوبة، وكأن كل خطوة تستدعي ذكرى قديمة تحاول الهروب منها.
قال لها بصوتٍ منخفض لا يشبه صوته القديم، إنه يعرف كل شيء.
يعرف عن حياتها، عن تعبها، عن الخذلان الذي تعرّضت له.
وأكّد أنه لم يأتِ ليظهر كبطلٍ منقذ، ولا ليشتري صمتها أو ضعفها، بل جاء ليسألها بصدق إن كان هناك شيء لم يمت بعد، شيء يمكن إنقاذه.
ساد صمتٌ ثقيل.
لم تنظر إليه مباشرة، بل حدّقت في الأرض، وكأنها تراجع ثلاث سنوات من الألم في لحظة واحدة.
ثم قالت بهدوء مشوب بالحذر إنها لا تستطيع منحه أكثر من عشاء واحد، حديث واحد، بلا وعود ولا توقّعات.
في تلك الليلة، لم يأخذها إلى مطعم فاخر، ولم يحاول إبهارها بشيء.
اختار مقهى صغيرًا، كراسيه غير متناسقة، وإضاءته دافئة، وروّاده عاديون يشبهون الحياة كما هي.
جلسا متقابلين، لا رجل أعمال ولا امرأة مهجورة، بل شخصان أنهكهما الفقد.
تحدّثا طويلًا.
عن الخوف، عن الوحدة، عن الأخطاء التي بدت في وقتها منطقية، ثم تحوّلت إلى ندم صامت.
قال لها إنه أدرك متأخرًا أنه هرب إلى المال لأنه لم يعرف كيف يواجه الألم، وأن النجاح لم يملأ الفراغ الذي تركه غيابها.
اعترف بأن رؤيتها تلك الليلة، وهي واقفة تخدم الآخرين، أعادته إلى ذاته، إلى الإنسان الذي نسيه تحت طبقات الغرور.
قال إنه يريد أن يكون حاضرًا.
لا ليعوض ما فات، بل ليبدأ من حيث يقفان الآن.
حاضرًا في حياتها، وفي حياة الطفل، بكل ما تحمله من تعقيد وتعب ومسؤولية.
لم يعد يسكن القصور، ولم تعد تحيط به مظاهر الثراء الصارخة.
جلس على أرض غرفة بسيطة، يلاعب الطفل، يضحك من قلبه، بلا رخام ولا لوحات باهظة ولا صمتٍ ثقيل.
لم تُجِبه فورًا.
كانت كلماتُه صادقة، لكنها كانت تخشى أن تُصدّق من جديد.
اكتفت بأن قالت إن الحياة لا تمنح فرصًا بلا ثمن، وإن الثقة التي انكسرت لا تعود بسهولة.
مرّت الأشهر ببطء.
لم تكن الأيام مثالية، ولم تختفِ الشكوك، لكن الأفعال بدأت تتقدّم على الكلمات.
رافقها إلى المواعيد الطبية، انتظر خارج الغرف بصمت، تعلّم كيف يطبخ وجبات بسيطة، وكيف يصغي أكثر مما يتكلم.
أعاد ترتيب أولوياته، وقلّص ساعات العمل، وبدأ يرى النجاح بمعناه المختلف.
وفي ليلةٍ هادئة، حين بدأت آلام الولادة، كان إلى جانبها من اللحظة الأولى.
أمسك يدها ولم يتركها، حتى حين اشتدّ الألم وارتفعت الأصوات، ظلّ ثابتًا، وكأنه يكفّر عن كل غيابٍ سابق.
وحين بكى الطفل للمرة الأولى، شعر سيباستيان أن شيئًا عميقًا انكسر بداخله، لكنه كان انكسارًا يفسح المجال لنور جديد.
طفل صغير، ملامحه بريئة، وصوتُه يحمل وعد بداية لا تشبه ما مضى.
مرّت ستة أشهر أخرى.
دخلت إيزابيلا، توقّفت عند الباب للحظة، وابتسمت وهي ترى المشهد.
قالت بهدوء إن السعادة لا تأتي بالشكل الذي نتوقّعه، ولا تسكن الأماكن التي ظنناها يومًا حلمًا.
نظر سيباستيان حوله، إلى الفوضى الصغيرة، إلى الألعاب المبعثرة، إلى الأصوات الهادئة التي تملأ المكان دفئًا، وأدرك أنه أصبح أخيرًا ثريًا بحق.
ثريًا بشيء لا يُشترى، ولا يُفقد بسهولة، ولا يُقاس بالأرقام.

تعليقات