طُردت من بيت زوجها بلا رحمة… فكان ردّها صادمًا للجميع

طُردت من بيت زوجها بلا رحمة… فكان ردّها صادمًا للجميع

 

أصغيت إلى نصيحتها، وبدأ قلبي يهدأ شيئًا فشيئًا، كأن الضجيج الذي كان يسكن داخلي منذ سنوات بدأ يخفت أخيرًا. للمرة الأولى منذ زمن طويل، شعرت أنني أتنفّس بعمق من دون خوف. التحقت بدورة لتعلّم الخياطة في المدينة، أخرج في الصباح الباكر، أحمل دفتري وأحلامي الصغيرة، وأعود في المساء لأعمل في الدير، حيث الصمت والسكينة يمنحانني قوة لم أكن أعلم أنني أملكها.
كانت الأيام الأولى صعبة، يداي تتعبان سريعًا، وأخيط أحيانًا بخطأ فأفكّ ما صنعت وأبدأ من جديد. لكنني لم أستسلم. كنت أذكّر نفسي كل ليلة أن هذا التعب هو الطريق الوحيد لحياة أستحقها. وبعد ثلاثة أشهر فقط، أصبحت قادرة على خياطة ملابس جميلة ومتقنة، تحمل لمسة بسيطة لكنها صادقة. بدأت أعرض بعض القطع على الزوّار والسياح الذين يقصدون الدير، فوجدت إقبالًا لم أكن أتوقعه.

شيئًا فشيئًا، تحوّل العمل إلى مصدر رزق ثابت. افتتحت متجرًا صغيرًا عند مدخل الدير، لا يتجاوز بضعة أمتار، لكنه كان بالنسبة لي عالمًا كاملًا. كنت أفتح بابه كل صباح بفخر، وأغلقه مساءً بامتنان. لأول مرة في حياتي، كنت أكسب مالي بجهدي وحدي، وأعيش بكرامة من دون أن أشعر أنني عبء على أحد.
كان كارلوس يزورني أحيانًا في الخفاء. كان يأتي مترددًا، وكأن خطواته تحمل ثقل الندم والعجز. كان يبكي، يمسك يديّ، ويتوسل إليّ أن أعود إلى البيت، ويعدني بأن الأمور ستتغير. لكنني كنت أكتفي بهزّ رأسي بهدوء وأقول له بصوت ثابت:
«لن أعود حتى تفهم والدتك.»

كان يخفض رأسه عاجزًا، وكأنه أدرك متأخرًا أن الصمت الذي اختاره في الماضي كان شراكة في الظلم.
في أحد أيام المطر، وبينما كنت أرتّب بعض الأقمشة في متجري الصغير، رأيت امرأة تقف عند مدخل الدير. كانت تبدو متعبة، منحنيّة الظهر، وشعرها ازداد شيبًا. احتجت لحظات لأدرك أنها دونا تيريزا. تقدّمت بخطوات بطيئة، وما إن وقعت عيناها عليّ حتى انهارت، ركعت على الأرض، ودموعها تنهمر دون توقف.
قالت بصوت مكسور:
«آنا… سامحيني… كنت مخطئة…»
بقيت صامتة، لا قسوة ولا شماتة في قلبي، فقط صمت طويل. بدأت تحكي لي كيف غادر كارلوس البيت وانتقل للعيش وحده، وكيف قطع حديثه معها، وكيف أصبح الدكان خاليًا من الزبائن، وكيف أدركت متأخرة قيمة الأيام التي كنت أتحمّل فيها المسؤولية وحدي دون شكوى.

قالت وهي تبكي بحرقة:
«عودي إلى البيت… أعدكِ أنني لن أكرّر ما فعلته أبدًا.»
نظرت إليها طويلًا، ثم أجبتها بهدوء لم أكن أتصوره يومًا:
«يا أمي، أنا لم أعد غاضبة. لكن لي حياة هنا الآن. إن عدت، سيعود كل شيء كما كان، وأنا لم أعد قادرة على العيش بذلك الشكل.»
أمسكت يديّ بقوة، وكأنها تخشى أن أفلت من بين أصابعها، وقالت:
«يكفيني أنك سامحتِني… هذا وحده يريح قلبي.»
أومأت برأسي بخفة. سامحتُ فعلًا، لأنني لم أرد أن أحمل معي حقدًا إلى بقية حياتي، لكنني لم أعد. اخترت أن أبقى في الدير، أواصل عملي في الخياطة، وأفتتح دروسًا مهنية لفتيات القرية، أعلّمهن ما تعلّمته، وأمنحهن أملًا في مستقبل لا تُقاس فيه المرأة بما تملك، بل بما تستطيع أن تصنعه بيديها.
قصتي فاجأت الكثيرين. من زوجة مُهانة طُردت من بيتها بلا رحمة، استطعت أن أقف من جديد، وأن أبني حياة مختلفة، أكثر بساطة، لكنها أكثر صدقًا وطمأنينة.
تعلّمت أن الرحيل أحيانًا يكون أعمق درس لمن آذونا، وأن التسامح لا يعني النسيان أو العودة إلى الألم، بل يعني التحرر منه، والمضيّ قدمًا بحثًا عن السلام الذي يستحقه القلب.