قال الرجل العجوز بصوت هادئ لكنه حاسم:
«المال لا قيمة له هنا. ما يهمّ حقًا هو ما إذا كنتَ مستعدًا لأن تفعل شيئًا لم تفعله من قبل.»
تجمّد رودريغو في مكانه، غير مستوعب. لسنوات طويلة، كان عالمه يدور حول الأرقام والعقود والتواقيع، لا حول التضحيات.
قال بصوتٍ يرتجف بين الخوف والضيق:
«وماذا تقصد؟»
نظر إليه الدكتور أسيون طويلًا قبل أن يجيب:
«لقد قضيتَ حياتك تشتري الحلول يا سيد ألاركون، لكن الحياة لا تخضع للمال، بل تخضع للتواضع… وللمحبة.»
شدّ رودريغو فكيه وقال بحدّة:
«تتحدث بالألغاز أيها العجوز. قل لي ماذا أفعل.»
تنهد الطبيب وأشار إلى مقعدٍ قديم قرب الموقد:
«اجلس. إن كنتَ تريد حقًا مساعدة ابنتك، فاستمع… لا كرجل نفوذ، بل كأب.»
امتثل رودريغو على مضض. كانت كلوديا تقف قرب النافذة وهي تحمل كاميلا الصغيرة، يتردد نَفَس الطفلة بصعوبة، كأنفاسٍ خفيفة تصعد وتهبط بإيقاع هشّ.
بدأ الطبيب يتكلم:
«مرض ابنتك ينهش دمها من الداخل. المستشفيات تعالج الأعراض لا السبب. جسدها يرفض ما يُعطى له لأنه لا يشعر بشيء يشدّه للعودة إلى الحياة. قد لا تفهم هذا، لكن إرادة العيش أقوى من أي دواء.»
اقترب أكثر، وأضاءت النيران ملامحه المتعبة:
«إن كان أمامها ثلاثة أشهر، فهي لا تحتاج الآن إلى أدوية… بل إلى أبيها.»
امتلأت عينا رودريغو بالضيق وقال:
«ألا تظن أنني أحبها؟ سأموت من أجلها!»
همس الطبيب:
«وهل تفعل؟ لأنها لا تحتاج موتك، بل قلبك… ذلك الذي أخفيته حتى عن نفسك.»
نظرت كلوديا إليه، وللمرة الأولى رأت رودريغو ألاركون عاجزًا عن الكلام.
تتابعت الأيام واختلطت ببعضها. وافق الطبيب على علاج كاميلا، لا بالآلات والحقن، بل بالأعشاب والكمادات ونظام غريب يمزج العلم بشيء أقدم وألطف. كان يعدّ منقوعات تفوح برائحة إكليل الجبل والدخان، ويدهن صدرها بزيوت خاصة وهو يتمتم بكلمات بلغة لم يعرفها رودريغو.
كانت كلوديا ترعى الطفلة ليلًا ونهارًا دون كلل، تنظف وتطبخ وتجلب الماء من نبع الجبل. راقبها الطبيب بإعجاب صامت، وقال لها مرة:
«محبتك تُبقي الهواء دافئًا حولها. لولاك، لكانت رحلت منذ زمن.»
في البداية، ظل رودريغو بعيدًا، يتجول خارج البيت كظل قلق. كان يكره رائحة الأعشاب، وبساطة المكان، وعدم اليقين. لكن كلما أنّت كاميلا وأمسكت كلوديا بيدها، شعر بشيء يتصدّع داخله.
في إحدى الليالي، دخل غرفة ابنته غير قادر على النوم. كان صدرها الصغير يرتفع ويهبط بصعوبة، ووجهها شاحب لكنه هادئ.
جثا بجانب سريرها وهمس:
«يا صغيرتي… أنا آسف. ظننت أنني أستطيع إصلاح كل شيء. ظننت أن الحب يُشترى.»
غطّى وجهه بيديه وبكى بصمت، لا كرجل أعمال، بل كإنسان تجرّد من كل ما آمن به.
راقبه الطبيب من الباب وقال لكلوديا بهدوء:
«العلاج بدأ يؤتي ثماره، لأن قلبها يُنادى الآن للعودة.»
مرّت أسابيع، وامتلأ البيت برائحة الصنوبر والدخان. بدأت كاميلا تفتح عينيها لفترات أطول، وصارت أصابعها الصغيرة تمسك بيد كلوديا، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة حين كان رودريغو يقرأ لها القصص قرب النار.
لكن الشفاء لم يكن بلا ثمن.
في مساءٍ ما، قال الطبيب بنبرة جادة:
«قوتها تتحسن، لكن دمها ما زال يقاوم نفسه. أستطيع مساعدتها على التعافي الكامل، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من الأعشاب.»
سأل رودريغو فورًا:
«ماذا تحتاج؟ مال؟ أجهزة؟»
هزّ الطبيب رأسه:
«أحتاج جزءًا منك.»
تجهم رودريغو:
«ماذا تعني؟»
قال الطبيب:
«نقل دم، لكنه ليس عاديًا…»
⬅️ باقي القصة في الصفحة التالية رقم 2
قرار واحد فقط كان سيفصل بين الحياة والموت… وما سيحدث بعدها لم يكن أحد مستعدًا له.
تعليقات