قالوا إن أمامها 3 أشهر فقط… لكن ما فعله والدها جعل الأطباء في صدمة!
جسدها يرفض الدم المعتاد، ويحتاج تطابقًا نادرًا، ويبدو أنها ورثت علاماتك الجينية نفسها. العملية ستستغرق ساعات، وستكون مؤلمة وخطِرة لكليكما.»
تردد رودريغو لحظة واحدة فقط:
«افعلها.»
شهقت كلوديا:
«سيدي، لا يمكنك! بالكاد أكلت أو نمت…»
قال بحزم:
«افعلها. إن كان دمي سينقذها، فهو لها كله.»
تلك الليلة، وتحت ضوء المصابيح الزيتية، بدأ نقل الدم. تمدد رودريغو قرب ابنته، موصولين بأنابيب رفيعة تلمع في العتمة. كانت كلوديا تمسك يد كاميلا وتهمس بالدعاء.
مرّت الساعات بطيئة. شحب وجه رودريغو وتصبب العرق من جبينه، بينما واصل الطبيب عمله بصمت وثبات.
وعندما انتهى، سأل رودريغو بصوت واهن:
«هل…؟»
أومأ الطبيب:
«ستعيش.»
انهارت كلوديا بالبكاء، لم تستطع أن تحبس دموعها أكثر. وضعت يديها على وجهها، وراحت تنتحب بصوتٍ خافت، وكأن كل الخوف الذي عاشته في الأسابيع الماضية خرج دفعة واحدة.
أما رودريغو، فابتسم ابتسامة واهنة، بالكاد ارتسمت على شفتيه، قبل أن يغمض عينيه ويغيب عن الوعي، جسده منهك، لكن روحه كانت معلّقة بخيط أمل لم يعرفه من قبل.
في اليوم التالي، استيقظ على دفء ضوء الشمس وهو يتسلل عبر النافذة الخشبية القديمة. للحظة، ظنّ أنه ما يزال يحلم، أو أن ما مرّ به لم يكن سوى وهم صنعه التعب. حاول أن يحرّك رأسه ببطء، وعيناه تبحثان في المكان، إلى أن وقعتا على المشهد الذي غيّر حياته إلى الأبد.
كانت كاميلا جالسة على السرير، تمسك بوعاء صغير، وتأكل بهدوء. لم تعد شاحبة كما كانت، ولم يعد صدرها يعلو ويهبط بصعوبة.
رفعت رأسها، ونظرت إليه بعينيها اللامعتين، وقالت بصوت خافت لكنه واضح:
«بابا.»
في تلك اللحظة، انكسر شيء عميق داخل رودريغو. انهمرت دموعه دون مقاومة، وبذراعين مرتجفتين ضمّ ابنته إلى صدره، وكأنه يخشى أن تختفي إن تركها.
ابتسمت كاميلا ابتسامة صغيرة، وقالت ببراءة:
«قال الطبيب إنك شجاع.»
لم يستطع أن يجيبها. اكتفى بأن شدّد عناقها، وكأن ذلك العناق وعد صامت بألا يتركها مرة أخرى.
دخل الطبيب لاحقًا، نظر إلى المشهد بهدوء، وقال بنبرة واثقة:
«ستتعافى تمامًا. لكن تذكّروا أن جسدها شُفي، أما قلبها فيحتاج إلى السلام… كما قلبك أنت.»
مرّت الأيام التالية ببطء، لكنها كانت أيامًا مختلفة. بدأت كاميلا تستعيد قوتها شيئًا فشيئًا، خطواتها الصغيرة صارت أكثر ثباتًا، وضحكتها عادت تملأ المكان.
وبعد شهر، عادوا إلى المدينة.
في المستشفى، وقف الأطباء مذهولين. الطفلة التي وقّعوا على تقاريرها باعتبار أن أمامها أشهرًا معدودة، كانت الآن تركض في الممرات وتضحك بصوت عالٍ.
تحدّثت الصحف عن معجزة طبية، وتجادل المختصون حول تفسيرات علمية محتملة، لكن الحقيقة لم يعرفها سوى ثلاثة أشخاص… ولم يكن أيٌّ منهم بحاجة إلى تفسير.
عاد رودريغو إلى قصره رجلًا آخر. لم يعد ذلك الرجل البارد الذي لا يرى في الناس سوى أرقام.
صار يستيقظ باكرًا ليمشي مع ابنته في الحديقة، يجلس معها ساعات يقرأ لها القصص، ويتناول الطعام مع العاملين في المنزل لا فوقهم.
صار يناديهم بأسمائهم، ويسأل عن أحوالهم، ويشكرهم بصدق.
أما كلوديا، فبعد أن اطمأن قلبها على كاميلا، قررت الرحيل لرعاية أمها المريضة.
وقفت أمام رودريغو، تحاول أن تخفي تأثرها، فقال لها:
«لقد أنقذتِ ابنتي، وعلّمتِني ما لم تعلّمنيه كل الثروات التي امتلكتها يومًا.»
بعد عام، عاد رودريغو وكاميلا إلى القرية الجبلية ليشكروا الطبيب، ويحملوا له مستلزمات طبية وأدوية.
لكنهم وجدوا البيت خاليًا.
أخبرهم أحد الجيران أن الطبيب قد توفي بهدوء في نومه، وترك رسالة لهم.
في الرسالة، كتب أن المعجزة ليست خرقًا للطبيعة، بل استجابة لها حين تجد الحب الصادق.
كبرت كاميلا، واختارت أن تدرس الطب، مدفوعة بذكرياتها وبما عاشته.
أما رودريغو، فأنشأ مؤسسة خيرية باسم الطبيب، وكرّس جزءًا كبيرًا من ثروته لمساعدة المرضى الذين لا يملكون ثمن العلاج.
وقبل رحيله بسنوات طويلة، قال لكلوديا ذات مساء هادئ:
«كنت أظنّ أن المعجزات نادرة، والآن أعلم أنها حولنا دائمًا، لكننا لا نراها إلا حين نفقد كل شيء آخر.»
وعندما رحل رودريغو عن الدنيا، وقفت كاميلا أمام الناس وقالت بصوت ثابت:
«أبي تعلّم متأخرًا أن الحب هو الدواء الوحيد الذي لا يفشل.»
كانت كلوديا تقف بجانبها، وقد غزا الشيب شعرها، وهمست بصوتٍ مفعم بالرضا:
«أوفينا بالوعد.»
وهكذا، لم تكن المعجزة في شفاء طفلة فحسب، بل في القلوب التي تغيّرت، وفي الأرواح التي تخلّت عن كبريائها، واختارت المحبة طريقًا لها، بعد أن ظنّت يومًا أن المال وحده يكفي.

تعليقات