ابنتي همست: “هذا ليس صوت أبي”… وبعدها بدأت الكارثة!
كان الطَّرق في تمام الساعة الثامنة وسبع عشرة دقيقة مساءً.
أعرف ذلك على وجه الدقّة، لأنني نظرتُ إلى ساعة الميكروويف في اللحظة التي اخترق فيها الصوت سكون المنزل.
ثلاثُ طرقاتٍ سريعة. واثقة. مألوفة… مألوفة أكثر مما ينبغي، حين أستعيد الأمر الآن.
حتى تلك اللحظة، كانت الأمسية من ذلك النوع من الهدوء الذي كنتُ أرجوه من الكون أيام كنتُ مرهقة، متقلّبة المزاج، أذرع الغرفة جيئة وذهابًا وأنا أحمل رضيعة لا تكفّ عن البكاء في ليالٍ لا تنتهي.
فقط… هدوء.
أنا، والأريكة، ووعاء فشار متوازن بشكلٍ متهوّر على حافة طاولة القهوة.
كانت ابنتي ذات الستّ سنوات، كلوي، مستلقيةً على جانبها، رأسها على فخذي، وقدماها مرفوعتان فوق مسند الذراع، تشاهد فيلم أميرات للمرة التاسعة هذا الشهر.
كان مارك قد غادر صباح ذلك اليوم. رحلة عمل. هيوستن ثم دنفر.
تأمينات، مبيعات، أمور لم أفهمها تمامًا رغم محاولاته شرح حصصه ومناطقه. قبّلني مودّعًا في المطبخ وهو يحمل كوب السفر وحقيبة الحاسوب.
قال: «خمسة أيام»، ثم ألصق جبهته بجبهتي لثانيةٍ طويلة. «ثم أعود. أعدكِ».
مازحته: «أحضِر لنا شيئًا جيّدًا».
ردّ وهو يخرج: «عرّفي الجيّد. شوكولاتة؟ جرو؟ سلامي العقلي؟».
خرجت كلوي ببيجامة الديناصورات، تفرك عينيها.
قالت محتجّة: «بابا، نسيتَ أن تعانقني».
تظاهر مارك بالصدمة، وأسقط حقيبته، وحملها بين ذراعيه. «يا إلهي، كدتُ أغادر دون شحن الطاقة»، قال وهو يديرها حول نفسه. «الآن تمّت المعانقة، وضع الأب من المستوى العاشر مُفعَّل».
ذلك كان مارك. مرحًا، دافئًا، فيه شيء من الطرافة البسيطة. لمشاهد دخوله البيت نعومةٌ خاصّة؛ وطريقته في قول «أنا في البيت» دائمًا ما كانت تحمل نصف تعب ونصف ارتياح، كأنه يزفر العالم ويستنشقنا.
بعد ساعة من مغادرته، أرسل لي صورة سيلفي من بوابة السفر: ربطة عنق مرتخية، شعره مبعثر قليلًا، وكوب قهوة مرفوع بتحيّة. كتب: «ليلة واحدة، ثم أعود. قبّلي صغيرتنا من أجلي».
وترك رسالةً صوتية لكلوي أيضًا. شغّلتها ثلاث مرات حتى تقول في الهاتف: «تصبح على خير يا بابا»، كأنه سيسمعها بقوّة الصوت وحدها.
بحلول الثامنة مساءً، استقرّ البيت على ذلك الإيقاع المريح المملّ الذي أدركت لاحقًا أنه ترفٌ لا قاعدة. ملابس مطويّة بنصف اهتمام. غسالة الصحون تهمهم. ورائحة زبدة خفيفة عالقة في الهواء من الفشار.
كنت أرتدي بنطالًا منزليًا فيه ثقب قرب الركبة، وقميصًا واسعًا كان في الأصل لمارك.
وشعري مرفوع في شيءٍ قد يكون كان كعكة يومًا ما.
وعقلي ينزلق إلى ضباب نهاية اليوم، حيث ينكمش العالم ليصير بحجم غرفة المعيشة، ويغدو القرار الأكبر هو: هل أطفئ الأنوار أم أغفو حيث أنا؟
ثم جاء الطَّرق.
ثلاثُ طرقات. واضحة. ليست متردّدة كجار، ولا عنيفة كموظّف توصيل. بل تلك الطرقة التي يستخدمها من يتوقّع، دون شك، أن يُفتح له الباب.
عبستُ، وحرّكتُ ساقي تحت كلوي. تمتمت: «من يكون في هذا الوقت…؟»
وقبل أن أنهض، سمعته:
«أنا في البيت!»
جاء الصوت مكتومًا عبر الباب الأمامي… لكنه واضح بما يكفي.
تجمّدتُ.
كان يشبه صوت مارك.
النبرة نفسها. الإيقاع نفسه. العبارة ذاتها التي يقولها دائمًا عند عودته من سفر أو يومٍ طويل. «حبيبتي، أنا في البيت!» كما في مسلسلات العائلة.
لكن كان هناك خلل.
كان أعلى من اللازم. أكثر إشراقًا من المعتاد. بلا تعب. بلا ارتطام مفاتيح. بلا حفيف معطف. كأن أحدهم
يقلّد صوتًا من نصٍّ مكتوب.
مددتُ يدي تلقائيًا نحو جهاز التحكّم لإيقاف الفيلم، وقلبي بدأ يرتفع بفكرةٍ لطيفة.
هل غيّر رحلته دون أن يخبرني؟
ذلك يشبهه. كان يحبّ المفاجآت. يحبّ أن يدخل فجأة ويقول «تا دا!» ويرى دهشتي.
بدأت أنهض، واهتزّ وعاء الفشار، ثم شعرت بشدّةٍ حادّة في قميصي.
كانت أصابع كلوي قد أمسكت بالحافة بكلتا يديها.
همست، وعيناها واسعتان في ضوء التلفاز:
«ماما… هذا ليس صوت بابا. لنختبئ».
ضحكتُ. ردّة فعل تلقائية. ضحكة خرجت عالية ورقيقة أكثر مما ينبغي.
قلت: «حبيبتي، بدا كصوت بابا. من غيره قد يقول: أنا في البيت؟»
هزّت رأسها بعنف، فارتطم ذيل حصانها بخدّيها.
قالت بإصرار: «بابا يقولها هكذا…» ثم خفّضت صوتها مقلّدةً إياه بدقّة: ممتدًّا قليلًا، خشن الأطراف، كصوت شخص متعب لكنه سعيد برؤيتنا.
ثم قالت: «ذاك الصوت كان… كإعلان. كرتوني».
غرزت أظافرها في جنبي.
عاد الطَّرق، هذه المرة أقوى قليلًا.
«حبيبتي؟ كلو-بير؟ أنا في البيييـت!»
📌 باقي القصة في الصفحة التالية رقم (2)… لحظة واحدة فقط وستفهمين لماذا ارتجفتُ من الداخل 👇🔥

تعليقات