سكبت الماء على طفل مشرّد… لكن ما فعله بلقمة خبز صدمها للأبد
حين فتحت باب المطبخ الخلفي شعر الطهاة بالدهشة.
أحدهم كاد يعترض
سيدتي الناقد ما زال في الداخل وهذا الطفل
قاطعتهم بنظرة صارمة لكنها مختلفة هذه المرة تحمل شيئا من الحزم القديم لكن ملونا الآن بخيط رقيق من الرحمة
هذا الطفل ضيفي. من يتجرأ أن يرفع صوته عليه لن يبقى هنا دقيقة واحدة.
ساد صمت قصير.
ثم انهمك الجميع في عمله لكنهم كانوا يرمقون المشهد من طرف أعينهم.
أجلسته على كرسي خشبي في زاوية المطبخ حيث الحرارة أعلى ورائحة الحساء الطازج تداعب الأنف.
وضعت الجرو على فوطة نظيفة قرب المدفأة.
وقف أحد الطهاة رجل في الخمسين يراقب بصمت ثم قال
سيدتي يمكنني أن أعد لهما شيئا بسيطا شوربة دجاج قليلا من الخبز الطري وبقايا اللحم من الطبق الخاص بالناقد. لن يلاحظ نقصها.
نظرت إليه بريندا بدهشة.
ربما كانت تتوقع مقاومة لا مساعدة.
هزت رأسها شاكرة وللمرة الأولى في تاريخ المطعم قالت للطاهي كلمة لم تقلها من قبل
شكرا يا ماركو.
جلس ليو على طرف الكرسي كمن يخشى أن يطرد في أي لحظة.
حين وضع الطبق أمامه ارتفع بخار الشوربة الدافئ وفيه رائحة الدجاج والخضار والملح الخفيف.
التهمته
عيناه قبل فمه.
قالت له
كل كما تشاء.
أمسك الملعقة لكنه لم يندفع.
أخذ لقمة صغيرة كأنه يتذوق حلما لا طعاما.
بين كل ملعقة وأخرى كان ينظر إلى الجرو فتقدم له قطعة صغيرة من اللحم في طبق منفصل.
مع كل لقمة كانت عضلات كتفيه تسترخي قليلا.
كانت عروق الخوف تشد جسده ثم تتركه بالتدريج كأن الطبق لا يملأ معدته فقط بل يهدئ شيئا أعمق.
بعد أن أنهى طعامه أسند ظهره إلى الكرسي لأول مرة.
لمس بطنه بخفة ثم ابتسم ابتسامة صغيرة خجولة لكنها حقيقية.
سألته بهدوء
أين تنام عادة يا ليو
أجاب وهو يعبث بأطراف المعطف
أحيانا تحت السقف المعدني عند المحطة أحيانا في مدخل مبنى أحيانا في الملجأ لو كانوا لطفاء ذلك اليوم لكنهم لا يحبون الكلاب فيطردون الجرو. لذلك أفضل الشارع.
نظرت إليه طويلا ثم قالت
الليلة لن تنام في أي من هذه الأماكن. ستنام في مكان له باب وسرير وبطانية ونافذة تطل على شيء غير حاوية القمامة.
رفع رأسه بحدة.
هل هل ستأخذينني إلى الشرطة
لا.
إلى الملجأ
لا.
إلى بيت سيعيدني إلى أبي
ظهر في عينيه خوف مختلف خوف ليس من البرد بل من ذاكرة لا يريد أن يعود إليها.
قالت بحزم وهي لا تزال لا تعرف ماذا تفعل بعد
إلى بيتي أنا.
كانت هذه الجملة وحدها كافية لتغير كل شيء.
في الطريق إلى شقتها جلس في المقعد الخلفي لسيارتها والجرو في حضنه يلتفت يمينا ويسارا كمن يسافر إلى كوكب آخر.
مرت السيارة أمام واجهة المطعم الأمامية أضواؤها الذهبية تلمع وزبائنها في الداخل يرفعون الكؤوس ويتذوقون الأطباق الغالية دون أن يخطر ببال أحدهم أن حياة كاملة تتغير هذه اللحظة في زقاق خلفي وعلى مقعد سيارة.
حين صعدوا إلى الشقة فتح ليو عينيه على اتساعهما.
السقف عال الأثاث أنيق رائحة نظافة ألوان دافئة صور على الجدران للمطعم لبريندا وهي تتسلم جوائز ولرجل يبدو أنه كان يوما ما مهما في حياتها.
سألها
هل هذا كله لك
نعم.
سكت لحظة ثم قال
وأنت وحدك هنا
هنا شعرت بأن السؤال ليس بريئا تماما.
الوحدة كانت جزءا من حياته لكنه هذه المرة يرى وحدة مختلفة
وحدة في بيت كبير مليء بكل شيء إلا البشر.
قالت
نعم منذ سنوات.
لم تضف شيئا.
لم تخبره عن شريك قديم تركها عندما انشغلت بالمطعم أكثر من انشغالها به ولا عن عائلة رأت فيها مجرد ماكينة مال نجاحها يثير الغيرة لا الفخر.
حملت مجموعة من المناشف وأشارت إلى الحمام
ادخل وخذ حماما دافئا. الماء لن ينفد. وبعد ذلك سنجد لك شيئا ترتديه.
تردد.
وهل يمكن أن يدخل الجرو معي لا أريد أن يختفي.
ابتسمت للمرة الأولى بصدق كامل
يمكنك أن تبقي الباب نصف مفتوح وسأجلس هنا عند العتبة لا أحد سيأخذه.
وبالفعل جلست على الأرض ظهرها إلى الجدار تستند إلى الإطار الخشبي للباب والجرو ملفوف في منشفة دافئة على حجرها بينما يتردد صوت الماء من الداخل.
حين خرج ليو كان شخصا آخر تقريبا.
ملابسه القديمة ملقاة في كيس على الأرض شعره المبلل يلتصق بجبهته بشرته الشاحبة بدت أقل قسوة وعيناه صارتا أهدأ.
أعطته قميصا قديما لها كان فضفاضا عليه وسروالا رياضيا نظيفا وجوارب قطنية سميكة.
نظر إلى نفسه في المرآة وكأنه لا يعرف من هذا الطفل الذي يراه.
في تلك الليلة نام على أريكة غرفة الجلوس والغرو ملفوف عند قدميه.
بريندا تركت باب غرفتها نصف مفتوح تستمع إلى أنفاسه من بعيد كأم تخاف على طفلها من الكوابيس.
صحيح أنهما التقيا في ليلة قاسية من الشتاء
لكن شيئا لم يكن قاسيا في الدفء الذي بدأ يتسرب إلى هذا البيت.
مرت الأيام التالية كحوار طويل بين عالمين.
في النهار تخرج بريندا إلى مطعمها بنفس الحزم بنفس الدقة لكن بشيء مختلف في عينيها.
صارت ترى العمال لا ك موارد بشرية بل كأناس.
🔻 باقي القصة في الصفحة التالية (3)

تعليقات