سكبت الماء على طفل مشرّد… لكن ما فعله بلقمة خبز صدمها للأبد
مرت السنوات.
ليو كبر.
لم يعد ذلك الطفل الذي يلتقط بقايا الخبز من قرب حاوية القمامة.
كبرت ملابسه أصبحت أكثر أناقة لكن بساطته لم تتغير.
الجرو الذي سماه روكو أصبح كلبا حقيقيا يقف عند باب المطعم الخلفي كحارس وفي لذلك المكان الذي جعل منه أسرة.
بعد المدرسة كان ليو يأتي إلى المطعم يتدرب يتعلم يساعد الطهاة يشارك في توزيع الوجبات الزائدة ليلا على المحتاجين.
كان هو صاحب فكرة برنامج الطعام الخيري
إذا كان هناك طعام جيد لا يؤكل فلم لا نذهب به إلى من لا يجدونه
تحول البرنامج مع الوقت إلى مشروع كبير
وجبة بكرامة
لا طوابير مذلة لا أطباق من الدرجة الثانية بل نفس مستوى الطعام لكن يقدم بطريقة تحفظ للناس ماء وجوههم.
كانت بريندا تقف أحيانا في الزاوية تراقبه وهو يتحدث مع الناس يضحك معهم يناديهم بأسمائهم يعرف قصصهم لأنها تشبه قصته.
في إحدى الليالي الشتوية دخل إلى المطعم شاب في العشرينات تقريبا أنيقا لكن عينين متعبتين.
وقف عند الباب الخلفي مترددا ممسكا بزجاجة ماء ينظر إلى ليو الذي يشرف على حملة توزيع الوجبات.
اقترب ليو منه وسأله
هل تحتاج إلى وجبة أيضا
هز الشاب رأسه وقال
لا أنا جئت لسبب آخر. كنت قبل سنوات أقف في هذا المكان أنتظر أن يطردني أحدهم. اليوم رأيت إعلانكم عن الوجبات الخيرية فقلت لنفسي ربما تغير شيء في هذا العالم.
ابتسم ليو بهدوء.
نعم أحيانا يتغير العالم من لقمة خبز واحدة.
تدخلت بريندا التي كانت تسمع الحوار من بعيد وقالت وهي تقترب
أحيانا يبدأ تغير العالم من دلو ماء قاس ثم شعور بالذنب ثم قرار ألا نتجاهل صوت ضميرنا مرة أخرى.
التفت إليها ليو فابتسم.
كان يعرف أنها ما زالت تحمل ثقل تلك الليلة في قلبها رغم كل ما فعلته بعدها.
بعد سنوات أخرى وقفت بريندا في قاعة واسعة تسلم جائزة عن برنامجها الخيري الذي أصبح نموذجا لمطاعم أخرى في المدينة.
كانت الأضواء مسلطة عليها والناس يصفقون لكن قلبها لم يكن في الكلمات المكتوبة في الورقة أمامها.
بل في الصف الأول حيث يجلس شاب يرتدي بدلة بسيطة وعلى صدره بطاقة صغيرة ليو مدير مبادرة الوجبات الكريمة.
رفعت الميكروفون وقالت أمام الجميع
اليوم يكرمونني على مبادرة إنسانية الحقيقة أن الفضل لا يعود إلي. الفضل يعود إلى الطفل الذي رفض أن يأكل لقمة كاملة وهو جائع وقسمها مع كائن أضعف منه. في تلك اللحظة علمني ما لم تعلمنيه كتب الإدارة ولا شهادات ريادة الأعمال.
ساد صمت قصير في القاعة من النوع الذي يسبق التصفيق الحقيقي.
تابعت
لم أنقذه أنا. هو من أنقذني من أن أصبح إنسانة بلا روح. إن كنتم ترون أن هذا المشروع يستحق جائزة فلتسلم له هو.
لوحت بيدها نحوه فوقف ليو محرجا والناس يصفقون وبريندا تشعر لأول مرة أن النجومية التي تقف فيها ليست من نوع الشهرة الفارغة بل من نوع جديد فيه شيء من الطمأنينة.
في تلك الليلة بعد الحفل عادوا إلى المطعم.
كان الوقت متأخرا المدينة هادئة أضواء الشارع خافتة.
دخلت بريندا من نفس الباب الخلفي الذي بدأت عنده الحكاية.
وقفت للحظة تلمس بيدها الحديد البارد للإطار وتغمض عينيها.
اقترب ليو منها يحمل كوبين من الشاي الساخن.
ناوله أحدهما ثم قال مازحا
تبدين وكأنك تتحدثين مع الجدار.
قالت بابتسامة هادئة فيها شيء من السخرية الذاتية
أتذكر فقط أنني هنا في هذا المكان بالذات كنت أسوأ نسخة من نفسي. واليوم ربما أكون أقل سوءا بقليل.
هز رأسه نافيا
أنت لست أقل سوءا فقط أنت مختلفة. نحن لسنا ما فعلناه في أسوأ يوم بل ما نختار فعله بعد أن نفهم خطأنا.
جلسا عند عتبة الباب يشربان الشاي والهواء البارد يمر إلى جوارهما.
روكو الكلب العجوز الآن استلقى عند قدميهما يرفع رأسه بين الحين والآخر كأنه الحارس الرسمي لهذه الذكريات.
قالت بريندا بعد صمت طويل
ليو هل تذكر تلك الليلة
ابتسم دون أن يلتفت إليها
أي ليلة ليلة الماء البارد أم ليلة الطعام الساخن
سكتت ثم قالت
كلاهما.
فكر قليلا ثم أجاب
أذكرهما لكني لا أكرهك على الأولى. لو لم يحدث ذلك لما وصلت إلى الثانية. أحيانا يكون أقسى ما نمر به هو نفسه الباب الذي يدخل منه الخير بعد ذلك.
تنهدت بعمق.
هل سامحتني حقا
نظر إليها هذه المرة مباشرة وقال بثقة شاب عرف معنى الجراح وشفائها
سامحتك منذ رأيتك ترتجفين وأنت تحاولين أن تعتذري. الجوع يعلمنا شيئا مهما أن نعرف قيمة اللقمة وقيمة الإنسان الذي يقدمها ولو متأخرا.
في
تلك اللحظة كانت المدينة من حولهما تسير كعادتها ناس تذهب وتجيء أموال تصرف صفقات تعقد مطاعم تفتح وتغلق
لكن عند هذا الباب بالذات في هذا الليل الهادئ كان هناك شيء أكبر يحدث
شيء لا يقاس بعدد الزبائن ولا بحجم الأرباح ولا بعدسات النقاد.
كان هناك إنسانان
واحد كان يوما طفلا جائعا في الزقاق وواحدة كانت يوما امرأة قاسية عند الباب الخلفي
اختارا أن يكتبا لنفسيهما نهاية مختلفة عن تلك التي رسمها أول لقاء بينهما.
نهضت بريندا ومدت يدها إلى ليو وقالت
هيا لدينا عمل غدا. هناك أشخاص كثيرون ينتظرون وجبة وكلمة لطيفة وقدرا صغيرا من الأمل.
أمسك يدها ونهض.
دخل الاثنان إلى المطعم تاركين الباب الخلفي مواربا قليلا كأنه ما زال ينتظر روحا جديدة تأتي في ليلة باردة
تطلب قطعة خبز واحدة
فتغير حياة كاملة من جديد.

تعليقات