سكبت الماء على طفل مشرّد… لكن ما فعله بلقمة خبز صدمها للأبد

سكبت الماء على طفل مشرّد… لكن ما فعله بلقمة خبز صدمها للأبد

تجمدت بريندا في مكانها لحظات طويلة والهواء البارد يلسع وجهها لكنها لم تشعر بشيء.
كانت عيناها معلقتين على ذلك الطفل الذي يجلس على الأرض الإسمنتية يحتضن جروا يرتعش من البرد ويمنحه الجزء الأكبر من لقمة لا تكفي أصلا لإنسان واحد.
في داخله كان الجوع يسكن كل خلية.
وفي داخلها كانت القسوة هي التي تسكن كل شيء حتى ظنت يوما أن هذا هو الطبيعي.
رفعت يدها إلى صدرها كأنها تحاول أن تتأكد أنه ما زال هناك قلب ينبض.للحظة قصيرة شعرت أنها لو عادت الآن إلى الداخل أغلقت الباب الحديدي ونفضت يديها من هذا المشهد فإن شيئا ما فيها سينكسر إلى الأبد شيء لن يمكن إصلاحه مهما ارتفعت أرباح المطعم أو توالت الجوائز والشهادات.
تنفست بعمق وقررت أن تفعل أصعب شيء بالنسبة لإنسان اعتاد أن يأمر ولا يعتذر.
خطت خطوة إلى الأمام.

صوت كعب حذائها ارتطم بالإسفلت بصدى حاد جعل ليو ينتفض فجأة وضم الجرو إلى صدره بقوة كأنما يخشى أن يؤخذ منه آخر ما تبقى في هذا العالم.
توقفت على مسافة مترين منه لا هي قريبة بما يكفي لتفزعه أكثر ولا هي بعيدة بحيث تبدو متجاهلة.
من هذه المسافة رأت تفاصيل لم ترها قبل دقائق
أظافره المتسخة أطراف أصابعه الزرقاء من البرد شفة مشققة تنزف قليلا عينان واسعتان فيهما تعب عمر أكبر من سنه بكثير.
حاولت أن تتكلم فتقطع صوتها في حلقها.
لم تكن معتادة على استخدام كلمات مثل عذرا وسامحني.
كانت معتادة على كلمات مثل أسرعوا أخرجوه غير مقبول هذا عيب على مستوى الخمس نجوم.
لكن هذه المرة

لم تكن المديرة تتكلم.
كانت امرأة تحاول لأول مرة أن تكون إنسانة.
قالت بصوت خافت متردد
يا صغير
رفع رأسه لم يجب فقط شد الجرو أكثر إلى صدره بعينين أقرب إلى سؤال واحد
ماذا ستفعلين بنا الآن
بلعت ريقها وحاولت أن تثبت نظرها في عينيه دون أن تهرب.
أنا أنا فعلت شيئا فظيعا قبل قليل.
لم يبد عليه أنه يفهم لماذا تقول هذا.
في عالمه ربما كان ما فعلته مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإهانات.
قال ببرود الطفل الذي تعلم ألا يتوقع شيئا
لا بأس يا سيدتي أنا متعود.
جملته كانت أخطر من كل الشتائم التي سمعتها في حياتها.
أنا متعود.
تعوده على الإهانة أكثر إيلاما من الإهانة نفسها.
حاولت أن تسيطر على ارتجاف أصابعها ثم قالت
لا ليس لا بأس. ما فعلته ليس طبيعيا وليس صحيحا ولا يمكن تبريره.
صمت.

الهواء كان يمر بينهما كأنه يحمل كل ما لم يقل بعد.
أشارت بيدها ناحية الباب الخلفي للمطعم وقالت
هل تسمح لي أن أدعوك إلى الداخل أنت والجرو فقط لتأكلا شيئا ساخنا ثم نتحدث.
ارتسمت علامات خوف واضحة على وجهه كأنها عرضت عليه فخا لا مساعدة.
حرك رأسه نافيا بخفة
إن دخلت سيصرخون علي. الناس لا يريدون أن يروني. أنا وسخ.
تكسر شيء ما في قلبها.
قالت بلا تفكير
أنت لست وسخا. أنا من كانت قذرة بحكمي عليك لا أنت.
رفع حاجبه ببطء كأن هذه الكلمات جديدة على قاموس حياته.
كانت لا تزال تمسك بكيس القمامة فتركته يسقط أرضا بلا اكتراث.
خلعت معطفها الصوفي الثقيل ذاك الذي كلفها راتب شهر كامل لأحد موظفيها واقتربت خطوة أخرى ومدت المعطف نحوه.
خذ هذا أولا. الجو بارد.
تردد.
ثم نظر إلى الجرو ثم إلى المعطف ثم إليها.

سأل بصوت خافت
هل تريدين شيئا في المقابل
هنا شعرت بريندا أنها هي الطفل الذي يوبخ لا هو.
لا. لم أكن أريد أن أعطيك شيئا لكن بعد ما رأيته الآن فهمت أنني أنا المحتاجة لأن أعطي لا أنت المحتاج لأن تدفع.
تقدم بحذر أخذ المعطف لفه أولا حول جسد الجرو الصغير ثم أدخل نفسه معه كأنهما يختبئان معا في كهف دافئ.
سألته
ما اسمك
ليو.
ومنذ متى وأنت هنا
هز كتفيه.
لا أعرف. منذ خرجت من الملجأ الأخير ومن قبله الشارع ومن قبله بيت لا أريد أن أرجع إليه.
لم تسأل.
فقط شعرت أن القصص التي تقرأها عن المشردين في الصحف ليست سطورا بل وجوها وملامح وتفاصيل وآلام.
قالت بهدوء
حسنا يا ليو تعال معي. الليلة على الأقل ستأكل وتشبع ولن تنام في الشارع.
التفت مرة أخيرة نحو طرف الزقاق كما لو أنه يودع ظلا اعتاد عليه.
ثم نهض ببطء حاملا الجرو بذراع ومعطف بريندا بالذراع الأخرى ومشى خلفها بخطوات قصيرة مترددة.
🔻 باقي القصة في الصفحة التالية (2)