تسعة مواليد ومعجزة عاشر… القصة التي غيّرت حياة عائلة كاملة
وعند الشهر السابع اشتد عليها الألم حتى كادت تفقد وعيها. اصطحبها دانيال مسرعا إلى المستشفى. بدا الطبيب هاريسون قلقا وهو يجري فحصا جديدا.
وفجأة توقفت يداه. انحنى نحو الشاشة يحدق بقوة.
ثم قال بصوت منخفض
إميلي دانيال هناك أمر آخر أحد هؤلاء ليس طفلا.
وتجمدت الكلمات في الهواء
حبست إميلي أنفاسها.
ماذا تقصد سألت بصوت مرتجف.
لكن قبل أن يتمكن الطبيب من الإجابة صرخت فجأة بألم حاد وبدأت أجهزة المراقبة تصدر إنذارات متتابعة.
اندفع فريق الطوارئ عبر ممرات المستشفى. كانت صرخات إميلي ترتد على الجدران بينما كانت الممرضات يجهزنها لعملية قيصرية عاجلة. ركض دانيال بجانب النقالة ممسكا بيدها إلى أن وصلوا إلى أبواب غرفة العمليات حيث أجبر على التوقف.
قال متوسلا وصوته يرتجف
أرجوكم أنقذوا الجميع.
في الداخل كان المشهد عاصفا. الأطباء يعملون بسرعة وأصواتهم منخفضة وحادة. ضغط دم إميلي بدأ بالانخفاض والألم كان لا يطاق. لكن تركيز الطبيب هاريسون لم يهتز. واحدا تلو الآخر أخرج الأطفال صغارا خدجا هشين لكنهم بمعجزة ما كانوا أحياء. ملأت صرخاتهم الضعيفة الغرفة كأجمل موسيقى يمكن سماعها.
تمتمت إحدى الممرضات وهي تعدهم بدموع في عينيها
سبعة ثمانية تسعة
ثم حل الصمت.
ال طفل العاشر لم يظهر على أجهزة المراقبة. عبس الطبيب هاريسون وهو ينظر مجددا داخل الرحم. ارتجفت يداه قليلا.
همست ممرضة
ما هذا
وفي الخارج لم يستطع دانيال سماع شيء سوى أصوات مكتومة من خلف الباب. وكان هذا الصمت أشد رعبا من أي شيء آخر.
وحين خرج الطبيب هاريسون أخيرا كان وجهه يحمل مزيجا من الإرهاق والجدية.
قال زوجتك بخير. والتسعة أحياء.
اتسعت عينا دانيال بدهشة.
تسعة ولكن العاشر
تردد الطبيب قليلا قبل أن يقول
لم يكن طفلا. كان ورما ليفيا كتلة نمت داخل الرحم أثناء الحمل. لهذا كانت تعاني هذا الألم. كان جسدها يظن أنه يحمي عشرة أرواح بينما أحدها لم يكن موجودا فعلا.
جلس دانيال على المقعد بقوة ممزقا بين الارتياح والحزن.
إذا هي بخير
أجابه الطبيب
إنها ضعيفة لكنها ستتعافى بإذن الله.
وحين أفاقت إميلي أمسك دانيال يدها وهمس
تسعة
—
يا حبيبتي تسعة مقاتلين صغار.
ابتسمت ابتسامة باهتة رغم دموعها.
والعاشر
قال بصوت لطيف محاولا تهدئتها
لم يكن مقدرا له أن يكون.
وبكيا معا ليس حزنا على ما فقد بل امتنانا لما نجا.
مرت الأشهر التالية كأنها حلم طويل بلا نوم زيارات يومية أجهزة دعاء متواصل. قضى الأطفال التسعة أسابيع في الحضانات تحت العناية المركزة. كانت إميلي تمضي ساعات أمام الزجاج تتعلم كيف تطمئنهم وتغذيهم دون أن تلمسهم.
انتشرت قصتهم في وسائل الإعلام. وتدفقت التبرعات من مختلف أنحاء الولاية. تطوع الناس لبناء الأسرة وتقديم الحليب وإقامة حملات دعم. وظهرت العناوين في الصحف
عائلة كارتر معجزة من تسعة قلوب.
وبعد شهرين حملوا إليهم الخبر الأعظم
الأطفال باتوا أقوياء بما يكفي للعودة إلى المنزل.
خمس فتيات أربع فتيان جميعهم أصحاء وجميعهم معجزة.
وحين دخلت إميلي غرفة الأطفال الجديدة توقفت عند العتبة لبرهة تتأمل الغرفة التي تحولت في أشهر قليلة إلى عالم صغير نابض بالألوان والدفء. ثلاث أسرة كبيرة وضعت بعناية في صف واحد وفوقها علقت ألعاب معلقة تدور ببطء تصدر موسيقى هادئة تشبه الهمس.
نظر دانيال إليها ثم إلى الأسرة وضحك وهو يمسح دموعه بظهر يده.
وقال بصوت مفعم بالمحبة والانبهار
ثلاث أسرة كما خططنا ثلاثة في كل واحد. ليس سيئا على الإطلاق بالنسبة لوالدين لا يزالان يتعلمان كل شيء من الصفر.
اقتربت إميلي أكثر ولمست بيديها حواف الأسرة الخشبية كما لو أنها تتحسس معجزة. ورغم ابتسامتها عاد البريق الرقيق إلى عينيها كأن القلب تذكر شيئا موجعا.
همست
لا يزال يخالجني شعور أن واحدا منهم مفقود.
كانت كلماتها ترتعش ليست حزنا على ما لم يولد بل حنينا لشيء لم تره عينا ولكن عاشته روحا.
اقترب دانيال منها وضم كتفيها برفق كأنه يحاول أن يخفف عنها ثقل تلك الفكرة.
وقال بهدوء عميق
ليس مفقودا يا إميلي بل جزء من قصتنا. جزء من الطريق الذي مررنا به وجزء من السبب الذي يجعلنا نقدر هؤلاء التسعة أكثر في كل لحظة.
رفعت إميلي رأسها نحوه وفي نظرتها امتنان لا يمكن وصفه. لم يكن الأمر مجرد فقدان جنين بل تجربة غيرتهما من الداخل وجعلتهما يشعران بأن الحياة لا تمنح بلا معنى.
ومضت السنوات
وملأ أولئك الصغار التسعة كل زاوية من المنزل.
امتلأ البيت
بالضحكات العالية
بالخطوات الصغيرة التي تهرول في الممرات
بالألوان المبعثرة
بالكتب والألعاب والوسائد
بالفوضى الجميلة التي يفتقدها كل من يكبرون بسرعة شديدة.
لكن قبل كل شيء امتلأ البيت بالحب حب أكبر من قدرة الكلمات على وصفه. حب ولد من خوف ونجاة ومعجزة.
كبر الأطفال واختلفت شخصياتهم وامتلأت الجدران بصور لهم
صورة أول خطوة
أول يوم مدرسة
أول رسمة
أول عقدة شعر
أول مباراة يفوزون بها
كل صورة كانت تذكر إميلي ودانيال بأنهما عاشا شيئا استثنائيا لا يتكرر.
وكان الناس الأقارب الأصدقاء الغرباء الذين سمعوا بقصتهم يسألون إميلي دائما
وماذا عن الطفل العاشر هل تفكرين فيه هل تذكرينه
فكانت تبتسم تلك الابتسامة التي تجمع بين القوة والرحمة ثم تقول
العاشر لم يكن طفلا من لحم ودم. لكنه كان الدرس الذي علمنا قيمة التسعة الذين رزقنا بهم. كان بابا صغيرا فتح قلوبنا على معنى الشكر ومعنى النجاة.
ثم تضيف أحيانا بصوت هادئ
لو لم يكن هناك عاشر لما عرفنا كيف نحتضن التسعة بكل هذا الحب.
وهكذا بقي الطفل العاشر رغم أنه لم يولد جزءا من العائلة ليس في سرير ولا في صورة بل في قلب كل واحد منهم.

تعليقات