حين طلب طفل الهروب من قصره… اتخذت الخادمة قرارًا غيّر كل شيء
كانت يداها ترتجفان، لكن قلبها كان ينبض بعزمٍ شرس، تعلم أنه حتى لو فشلت، فقد أثبتت له أن هناك من يقاتل لأجله.
مدّ الطفل يده الصغيرة ولمس يدها في إيماءة صامتة من الامتنان، كأنه فهم التضحية التي تحاول القيام بها.
أسرع الحراس، وكاد أحدهم يمسك بها، لكنه تعثّر بحجر، خاسرًا ثواني ثمينة استغلّتها فورًا.
انتهت الحديقة قرب نافورة ضخمة، حيث تتفرّع المسارات نحو المدخل الرئيسي والإسطبلات المؤدية إلى الغابة.
اختارت المسار الجانبي، آملة أن تُضيعهم، رغم علمها أن الأمن المشدّد سيجعل اكتشافها مسألة وقت.
وفي لحظة، سمعت الطفل يهمس مجددًا، متوسّلًا ألا تعيده إلى هناك، فدفعها ذلك أكثر من أي دفعة أدرينالين.
ارتطمت العربة بجذر شجرة، فضحك الطفل بصوتٍ أعلى، وكادت تفقد السيطرة، لكنها تماسكت بأنفاسٍ عميقة.
كان الهواء يحمل رائحة الحرية ممزوجة بالخوف، مزيجًا عرفته جيدًا، لكنه لم يكن يومًا بهذه الحدّة.
غيّر الحراس مسارهم محاولين تطويقها، وأطلقوا أوامر عاجلة عبر الهاتف، مُبلِغين الملياردير بهروب ابنه المفاجئ.
تخيّلت وجه الأب، غاضبًا لا بدافع القلق الأبوي، بل لأنه فقد السيطرة على ما كان يعتبره ملكًا له.
تداخلت ألوان الزهور في دوّامة وهي تركض، تتمنى لو أن الزمن يبطئ قليلًا لتتمكّن من الهروب إلى الأبد.
مدّ الطفل ذراعيه، يشعر بالهواء على وجهه، ويضحك بفرحٍ لم يظهره يومًا داخل ذلك القصر الخانق.
ومن بعيد، سمعا أصوات محركات تُشغَّل، ما يعني أن الحراس ينظّمون مطاردة بالمركبات لاعتراضهما لاحقًا.
كانت تعلم أنها لا تملك خطة حقيقية، سوى يقينٍ مطلق بأن إعادته تعني الحكم عليه بحياة بلا حب.
بدأ الطريق ينعطف نحو بوابة جانبية صغيرة اعتادت رؤيتها مفتوحة أثناء أعمال البستنة والصيانة.
شكرت القدر في سرّها حين رأت البوابة مواربة، بفتحة تكفي بالكاد لمرور العربة.
دفعت بكل ما أوتيت من قوّة، ونجحت في تمرير العجلة الرئيسية، بينما كانت تسمع صراخ الحراس خلفها.
ما إن خرجت من حدود الملكية، حتى تغيّر سطح الأرض؛ اختفى الحصى وحلّ محلّه تراب غير مستوٍ زاد الهروب صعوبة.
لكن الطفل ظلّ يضحك، كأن كل عقبة جزء من مغامرة سحرية منحته استراحة نادرة في حياته القصيرة.
بدأ التعب يتسلّل إليها، لكن عزيمتها بقيت صلبة، تستمدّ قوتها من صورة الطفل باكيًا وحيدًا في الممر البارد.
فجأة، سمعت خطوات خلفها، ورأت حارسين يقتربان من الجانب، فاضطرّت لدفع العربة إلى مسارٍ أضيق.
كانت الشمس حارقة، لكن كل شعاعٍ ذكّرها بأن الأمل ما زال قائمًا، وبأن الهروب ممكن إن لم تستسلم.
رفع الطفل رأسه ونظر إليها بحنان، ووضع يده الصغيرة فوق يدها، مانحًا إيّاها قوة في تلك اللحظة الحرجة المؤلمة.
شهقت، تشعر بألمٍ في صدرها، لكنها أسرعت أكثر، بينما كان الحراس يتعثّرون بين الشجيرات.
اختلط خفقان قلبها بضحكات الطفل، تباينٌ قوي جعلها متيقّنة أنها اتخذت القرار الصحيح.
ظهرت خلف الأشجار الأسوار الخلفية، سياج خشبي قديم كان بعض البستانيين يستخدمونه اختصارًا في صيف سابق.
إن تمكّنت من تجاوزه، فقد تحصل على دقائق إضافية قبل أن يعيد الحراس تنظيم المطاردة.
دفعت العربة نحو السياج؛ صرّ الخشب لكنه انفرج بما يكفي لتمرّ، فتسلّلت وهي ترتجف.
كانت أصوات الحراس تتلاشى تدريجيًا كلما توغّلت في الغابة، حيث وفّرت الأشجار ظلًا وحماية.
كانت الأرض رطبة والمسار زلقًا، لكنها ثبتت، لا يقودها سوى حاجةٍ واحدة: إبقاء الطفل حيًا.
راح الصغير يراقب الأوراق تتمايل فوقه بدهشة، كأن هذا الهروب كشف له عالمًا لم يتخيّل يومًا أن يراه.
أخذت نفسًا عميقًا، والدموع تترقرق في عينيها، مدركة أنه للمرة الأولى يبدو سعيدًا حقًا… وحرًّا.
كانت المطاردة ستستمر، لكن شيئًا ما تغيّر في داخلها. كانت تعلم أنها لن تتراجع، حتى لو كلّفها ذلك كل ما تملك.
لأن ذلك الطفل الذي لم يعرف الحب يومًا، كان الآن يضحك بين الأشجار، يستمع إلى زقزقة الطيور، وربما يفهم لأول مرة معنى الحياة.
ومع استمرار العربة في التدحرج نحو المجهول، كانت تعرف أنه، مهما كان العالم بأسره خلفهما، فقد شعر أخيرًا بالأمان.

تعليقات