طرد المربّية لأنها سمحت لأطفاله باللعب في الوحل… ثم اكتشف الحقيقة التي كسرت قلبه

طرد المربّية لأنها سمحت لأطفاله باللعب في الوحل… ثم اكتشف الحقيقة التي كسرت قلبه

في تلك الليلة، كان العشاء صامتًا. كؤوس كريستال، بلا ضحك. جلست على الطرف الآخر أمّه، إليانور هوثورن—أنيقة، باردة.
قالت: «سمعتُ أنّ مربّيتك تشجّع سلوكًا غير لائق».
أجاب: «تؤمن بأنّ الأطفال يتعلّمون عبر الأخطاء».
ابتسمت إليانور ابتسامةً رفيعة.
«نحن لا نخطئ. لسنا مثل الآخرين».
ثقلَت العبارة عليه، كما كانت طوال حياته.
«اصرفها اليوم»، أمرت.
أومأ برأسه، ورأى الخوف يلمع في عيون أطفاله—انعكاسه هو.

في صباح اليوم التالي، كانت السماء رماديّة منخفضة. أمسك جوليان برسالة الفصل فيما كانت كلارا تمشّط شعر آفا في الحديقة.
قال: «هذا لا ينجح. إنّهم يحتاجون إلى بنيةٍ أشدّ».
أومأت كلارا.
«أتفهّم».
ارتجف صوت آفا:
«هل سترحل؟»
لم يستطع جوليان أن يلتقي عينيها.
جثت كلارا.
«اعديني بشيء. لا تخافي من الاتّساخ وأنتِ تتعلّمين أمرًا جميلًا. الوحل يُغسَل. الخوف لا».
تعلّق الأطفال بها، ولطّخوا زيّها. فضحكت برفق.
«الآن أحمل قطعةً من كلّ واحدٍ منكم».

وعند الباب، التفتت قائلة:
«تربية الأطفال ليست إبقاء كلّ شيء كاملًا. إنّها تعليمهم كيف يبدأون من جديد».
في تلك الليلة، ضرب المطر البيت بقوّة. لم يغمض لجوليان جفن. تشابكت الذكريات والندم.
فاجأه صوتٌ خافت في عمق البيت. توقّف قلبه لحظة، ثم التفت بعجلة نحو غرفة التوأمين. كانت الأسرّة مرتّبة على غير العادة… فارغة تمامًا. انقبض صدره، واندفع يعدو عبر الممرّات، يناديهما باسميهما، غير أنّ صوته تاه بين الجدران الصامتة.
فتح الباب الخلفي بعجلة، فاستقبلته العاصفة. المطر يهطل بغزارة، والريح تعصف بالأشجار، وعلى ضوء المصابيح الخافتة لمح المشهد الذي سيبقى محفورًا في ذاكرته ما عاش.
كانوا هناك.

حفاةً تحت السماء الممطرة، أجسادهم الصغيرة مغطّاة بالوحل، يضحكون بلا خوف، يركضون ويقفزون كما لو أنّ العالم لا يحمل أيّ تهديد. كان الضحك صافيًا، حقيقيًا، خاليًا من التحفّظ الذي تعلّمه جوليان منذ طفولته.
قال ليو، وهو يلهث من شدّة الفرح: «أردنا أن يتعلّم أبي كيف يضحك أيضًا».
في تلك اللحظة، انزلق مايلز وسقط. وقبل أن يصل جوليان إليه، كان ليو قد أمسك بيده وساعده على الوقوف، وقال بثباتٍ طفوليّ: «سأحميك».
توقّف الزمن في صدر جوليان. هوى على ركبتيه دون أن يشعر، والوحل يغطّي كفّيه وبنطاله، وفتح ذراعيه ليضمّهما إليه. التصق الطفلان به، واختلطت ضحكاتهما بأنفاسه المرتجفة، فيما كان المطر ينهمر كأنه يغسل سنواتٍ طويلة من الصمت والكبت والخوف.

خلفه، انطلقت شهقة مكتومة. كانت إليانور تقف عند الباب، ملامحها مشدودة، وصوتها يقطر استنكارًا: «ستفسدهم بهذا».
رفع جوليان رأسه ببطء، ونظر إليها نظرةً لم تعهدها من قبل. قال بهدوءٍ حاسم: «لا. أنا أنقذهم… وأنقذ نفسي معهم».
مع بزوغ الفجر، هدأت السماء. ترك المطر وراءه آثارًا من الوحل، وأحذية صغيرة مبلّلة قرب المدخل، وضحكًا ما زال يتردّد في الأرجاء. بدا البيت أخفّ، كأنه تخلّص من عبءٍ ثقيل ظلّ جاثمًا على صدره أعوامًا.
وبعد ساعات، عادت كلارا. توقّفت عند بوابة الحديقة، تنظر إلى الأطفال وهم يركضون بحرّية، وإلى جوليان الجالس بينهم على الأرض، بلا ربطة عنق، بلا صرامة، يضحك معهم كما لم يضحك من قبل.
اقترب منها وقال بصوتٍ صادق: «كنتِ محقّة. احتجتُ من يذكّرني كيف أكون أبًا، لا مديرًا».
ابتسمت كلارا ابتسامة هادئة، وقالت: «الأطفال لا يحتاجون من يعلّمهم الحياة… بل من يتعلّمها معهم».
ومع امتلاء الحديقة بالضحك من جديد، فهم جوليان أخيرًا أنّ ما يبدو فوضى في أعين البعض، قد يكون في الحقيقة بداية الحرّية، وبداية عائلةٍ تتعلّم كيف تعيش، لا كيف تبدو فقط.