لم تنطق ولم تمشِ منذ 18 شهرًا… حتى سمع الأب صوتًا مستحيلًا في الطابق العلوي

لم تنطق ولم تمشِ منذ 18 شهرًا… حتى سمع الأب صوتًا مستحيلًا في الطابق العلوي

كانت الثلوج تتساقط بغزارة على ضواحي شيكاغو، فتكسو قصور ليك فورست بغطاءٍ أبيض صامت. وبالنسبة إلى العالم، بدا المشهد كبطاقة عطلةٍ ساحرة. أمّا بالنسبة إلى جيك موريسون، فلم يكن سوى تذكيرٍ آخر بالبرودة التي تسكن داخله.
في الثانية والأربعين من عمره، كان جيك يمتلك العالم بين يديه. شركته في التكنولوجيا المالية أغلقت العام بأرباحٍ قياسية. كان قادرًا على شراء أيّ شيء—سيارات رياضية، منازل على الشاطئ، أعمال فنية من عصر النهضة. لكن ثروته الهائلة بدت بلا قيمة، كأموال لعبة، لأنه لم يستطع شراء الشيء الوحيد الذي يهمّ حقًا.
لم يستطع شراء صوت ابنته.
قبل ثمانية عشر شهرًا، انقسمت حياة جيك إلى نصفين.
شاحنة على طريقٍ متجمّد.
صوت معدنٍ يلتوي.
ثم صمتٌ مفاجئ.
توفيت زوجته سارة على الفور. أمّا ابنتهما إيميلي، وكانت في الرابعة آنذاك، فقد نجت جسديًا بلا إصابات، لكن روحها بقيت حبيسة تلك السيارة المحطّمة.

منذ الجنازة، لم تنطق إيميلي كلمة واحدة. والأسوأ من ذلك، أنّها توقّفت عن المشي. أطلق الأطباء على حالتها اسم «الشلل النفسي». كان دماغها، المثقل بالصدمة، قد قطع الاتصال بساقيها.
استعان جيك بالأفضل. أطباء أعصاب من سويسرا، أطباء نفسيين للأطفال من نيويورك، معالجين شموليين من كاليفورنيا. تحوّل قصر موريسون إلى بابٍ دوّار للمعاطف البيضاء والوعود الفارغة.
كانوا يقولون: «الأمر مسألة وقت يا سيد موريسون»، وهم يتقاضون شيكاتٍ بخمسة أرقام.
لكن الوقت مضى، وبقيت إيميلي جالسة على كرسيها المتحرّك قرب النافذة، كدميةٍ خزفية تحدّق بلا تعبير في الحديقة المغطّاة بالثلج.
بدأ جيك يكره منزله. كان يتعمّد العودة متأخرًا. يمكث في المكتب يوقّع أوراقًا لا حاجة لتوقيعها، فقط ليتجنّب صمت العشاء الجنائزي. وحين يعود أخيرًا إلى البيت، يصبّ لنفسه كأسًا من الويسكي المعتّق، يقبّل جبين ابنته البارد، ثم يغلق على نفسه مكتبه.

لكن في الثاني والعشرين من ديسمبر، تدخّل القدر.
عاصفة ثلجية ألغت رحلته إلى لندن. أعاده السائق إلى المنزل عند الثانية ظهرًا. كان من المفترض أن يكون البيت هادئًا—إيميلي نائمة، والموظفون يتحرّكون كأشباحٍ غير مرئيّة.
فتح جيك الباب الأمامي. كان بهو الرخام مظلمًا. ألقى مفاتيحه على طاولة المدخل، فتردّد صدى الصوت المعدني وحيدًا.
نفض الثلج عن معطفه واتّجه نحو الدرج.
عندها سمعه.
تجمّد، ويده على الدرابزين المصنوع من الماهوغني المنحوت.
لم يكن صوت الريح.
ولم يكن نظام التدفئة.
كان موسيقى.
لحنًا ناعمًا—إيقاعيًّا، دافئًا. شيئًا بنغمة لاتينية منخفضة.

وتحت الموسيقى…
هل كان ذلك وقعًا إيقاعيًّا؟
عبس جيك. كان قد استأجر قبل شهر خادمةً جديدة—روزا. امرأة مهاجرة في الستين من عمرها، بيدين قاسيتين وابتسامة بدت شديدة الإشراق لبيتٍ حزين كهذا. بالكاد تحدّث إليها. كانت تتقاضى أجرها لتنظيف المنزل والتأكّد من أنّ إيميلي تأكل—لا لتشغيل الموسيقى.
بدأ الغضب يغلي في صدره.
كيف تجرؤ على إزعاج هدوء البيت؟
وماذا لو فزعت إيميلي؟
كان الأطباء قد قالوا إنّها تحتاج إلى بيئة هادئة.
صعد الدرج خطوتين في كلّ مرّة، مدفوعًا بالانزعاج وفضولٍ غريب.
وحين بلغ ردهة الطابق الثاني، تغيّر الصوت. لم تعد موسيقى فحسب.
كان هناك صوت.
«هكذا يا حبيبتي. اشعري بالإيقاع. الإيقاع ليس في القدمين—إنّه في القلب».
صوت روزا.

وصل جيك إلى غرفة إيميلي. كان الباب مواربًا. تسلّل ضوء العصر الذهبيّ عبر الفتحة.
دفع الباب بقوّة، مستعدًّا للصراخ، لطرد المرأة، لإعادة النظام.
لكن الكلمات ماتت في حلقه.
المشهد أمامه خالف كلّ منطق.
أُزيحت قطع الأثاث جانبًا. أُفرغت السجادة الفارسية الثمينة. وعلى جهاز الأسطوانات القديم—جهاز سارة، الذي لم يُمسّ منذ عامين—كانت أسطوانة قديمة تدور.
لم تكن روزا ترتدي زيّها الرماديّ. كانت ترتدي تنّورة واسعة ملوّنة، لا بدّ أنّها جلبتها في حقيبتها. وكانت حافية القدمين.
وأمّا إيميلي…
لم تكن إيميلي على كرسيّها المتحرّك.
كانت على الأرض—لكنها لم تكن جالسة. كانت على ركبتيها، ويداها تستندان إلى كتفي روزا.

«واحد، اثنان، ثلاثة! ارفعي روحك!» كانت روزا تغنّي، تتحرّك برشاقةٍ مفاجئة لسنّها.
ما رآه جيك بعد ذلك جعل ركبتيه ترتخيان. أمسك بإطار الباب ليبقى واقفًا.
كانت إيميلي تضحك.
ليس ابتسامةً خجولة.
ضحكًا عاليًا متدفّقًا—صوتًا كان جيك قد نسي وجوده.
وبينما كانت تضحك، وتهتدي بتمايل روزا، دفعت إيميلي ساقيها الصغيرتين إلى الأرض.
«انظري إليّ يا روزا!» قالت إيميلي بصوتٍ صغيرٍ مبحوح من قلّة الاستعمال.
توقّف جيك عن التنفّس.
لقد تكلّمت.
لقد تكلّمت.
باقي القصة في الصفحة التالية (رقم 2)
وما سيحدث بعد هذه اللحظة سيغيّر حياة الأب وابنته إلى الأبد… 🔥