خطيبته قالت جملة واحدة في الشارع… فاكتشف المليونير أن ابنه المفقود أمامه!
التفتت فيكتوريا إليه وقالت بلهجة حاسمة:
«لا يمكننا تركه هنا».
أومأ ماركوس ببطء، لكن قبل أن ينطق بكلمة، ارتجف الصبي فجأة ونظر أسفل الشارع. خرج رجل طويل من زقاق ضيق، يرتدي سترة جلدية مهترئة، وكانت عيناه تقدحان غضبًا وهو يحدّق في دانيال. توتر جسد الصبي فورًا.
صرخ الرجل:
«أنت! كان يجب أن تعمل، لا أن تجلس هنا!»
شحبت ملامح دانيال، وقفز من على الحافة واندفع راكضًا دون كلمة.
«انتظر!» صاح ماركوس، وانطلق خلفه دون تفكير.
كان الصبي سريعًا، يتلوّى بين المارة كالماء بين الأصابع، بينما كان الرجل ذو السترة الجلدية يلاحقه بعنف، دافعًا الناس من طريقه.
احترق صدر ماركوس وهو يركض، وعقله يعج بالأسئلة: من هذا الرجل؟ ولماذا يخاف الصبي منه؟ وهل هو على وشك أن يفقد ابنه للمرة الثانية؟
انتهت المطاردة في أزقة ضيقة خلف الفندق، حين اندفع دانيال إلى مستودع قديم. وصل ماركوس وفيكتوريا إلى المدخل في اللحظة التي أُغلق فيها الباب بقوة.
من الداخل، سُمعت أصوات خافتة. ألصق ماركوس أذنه بالباب المعدني محاولًا الإصغاء.
«قلت لك لا تتحدث مع الغرباء!» صاح صوت الرجل بخشونة.
«هو لم يكن…» انقطع صوت دانيال فجأة بصوت حاد.
غلى الدم في عروق ماركوس. طرق الباب بقوة.
«افتح الباب حالًا!»
ساد الصمت لحظة، ثم اقتربت خطوات بطيئة. فُتح الباب شقًّا ضيقًا، وحدّق الرجل بعينين ضيقتين.
«أنت في المكان الخطأ. ارحل».
لكن ماركوس كان قد رأى ما يكفي. في العتمة، كان دانيال يقف في الخلف، قابضًا على جنبه، ينظر إلى ماركوس بعينين متوسلتين.
قال ماركوس بصوت منخفض لكنه حاسم:
«لن أغادر بدونه».
ابتسم الرجل بسخرية متكئًا على إطار الباب.
«وما الذي يجعلك تظن أنك تستطيع أخذه؟»
تقدّم ماركوس خطوة، وصوته بارد كالجليد:
«لأنني أعرفه. ولأنك لا تملك أي حق في احتجازه».
اختفت الابتسامة من وجه الرجل.
«تظن أن بدلتك الفاخرة تمنحك سلطة؟ هذا الصبي يعمل لديّ، وهو مدين لي».
ارتجف صوت دانيال من الداخل:
«أنا لست مدينًا لك! قلت إنك ستطعمني، لكنك…»
«اصمت!» زجره الرجل ملتفتًا بعنف.
قبض ماركوس يديه، لكن يد فيكتوريا على ذراعه أوقفته.
«ماركوس… اتصل بالشرطة».
فعل فورًا، وأبلغ بصوت حاد عن اشتباه في استغلال طفل. وعده المُجيب بأن الدوريات في الطريق.
نظر الرجل بقلق نحو الشارع.
«أنت ترتكب خطأً كبيرًا»، تمتم، محاولًا إغلاق الباب. لكن ماركوس دفعه بكل قوته، فاحتكّ المعدن بالأرض.
اندفع دانيال إلى الأمام، وارتمى مباشرة في حضن ماركوس. شعر ماركوس بجسده الهش، بعظام أضلاعه البارزة، وكأن شيئًا داخله قد تحطّم.
همس دون وعي:
«لا بأس يا بني… أنا معك الآن».
دوّت صفارات الشرطة في الأفق. شتم الرجل وهرب من مخرج خلفي. وصلت دوريتان بعد لحظات، وشرحت فيكتوريا ما حدث بسرعة. انطلق أحد الضباط لملاحقة الرجل، بينما جثا الآخر قرب دانيال.
«هل تعرف اسم عائلتك؟» سأله بلطف.
تردد دانيال، ثم نظر إلى ماركوس.
«أظن… أظن أنه كالدويل».
شعر ماركوس بانقباض في صدره.
«ماذا قلت؟»
خفض دانيال رأسه.
«أتذكر أن أحدهم كان يناديني داني كالدويل عندما كنت صغيرًا… قبل أن تسوء الأمور».
عجز ماركوس عن الكلام. غمرت الدموع عينيه، وعادت إليه الذكريات دفعة واحدة: الحديقة، عربة المثلجات، اللحظة التي استدار فيها فلم يجد ابنه.
نُقل دانيال إلى مركز الشرطة لحمايته، وتبعه ماركوس وفيكتوريا بقلق. وبعد ساعات، خرج محقق يحمل ملفًا صغيرًا.
قال:
«أجرينا فحوصات أولية، ووجدنا بلاغ فقدان لطفل قبل اثني عشر عامًا. المواصفات متطابقة: العمر، لون الشعر، الغمازة في الخد الأيسر. نحتاج إلى فحص الحمض النووي للتأكيد، لكن… الاحتمال كبير جدًا».
تجمّد ماركوس، وهو يقبض على حافة الكرسي.
«أين كان طوال هذه السنوات؟»
تنهد المحقق.
«بحسب ما استطعنا جمعه، أخذته امرأة ثم تخلّت عنه. هذا الرجل وجده في الشارع واستغله في أعمال متفرقة. بلا تعليم، بلا أوراق… كان غير مرئي للنظام».
حين سُمح لماركوس برؤية دانيال مجددًا، كان الصبي أنظف، يرتدي ملابس جديدة. أضاءت عيناه الزرقاوان حين دخل ماركوس.
«عدت»، قال دانيال بصوت خافت.
جثا ماركوس أمامه.
«لم أتوقف يومًا عن البحث عنك».
ساد صمت طويل قبل أن يسأل دانيال:
«هل ما زال بيت الشجرة موجودًا؟ الذي بنيته في الحديقة الخلفية؟»
اختنق صوت ماركوس.
«نعم… وكان ينتظرك».
تقدّمت فيكتوريا مبتسمة:
«ونحن أيضًا».
في اليوم التالي ظهرت نتائج فحص الحمض النووي. التطابق كان كاملًا. دانيال هو ابن ماركوس حقًا.
كان اللقاء مزيجًا من الفرح والألم؛ اثنتا عشرة سنة ضائعة، وذكريات لم تُعش. لكن ماركوس عاهد نفسه أن يعوّض عن كل لحظة.
في تلك الليلة، عاد به إلى القصر، واصطحبه إلى غرفته القديمة. كانت الجدران لا تزال بلونها الأزرق الذي اختارته والدته، والرفوف مليئة بسياراته الصغيرة.
اتسعت عينا دانيال.
«إنها… كما هي تمامًا».
ابتسم ماركوس.
«قلت لنفسي إنني لن أغيّر شيئًا حتى تعود».
استدار دانيال واحتضنه بقوة، احتضان سنوات من الشوق. ردّ ماركوس العناق، ودموعه تنهمر بحرية.
وقفت فيكتوريا عند الباب، يدها على فمها. رأت ماركوس في الاجتماعات والقصور والطائرات الخاصة، لكنها لم تره يومًا بهذه الهشاشة، بهذا الامتلاء المؤلم بالحب.
لأول مرة منذ سنوات، شعر ماركوس أنه أصبح كاملًا من جديد.
ومع ذلك، كان يعلم في أعماقه أن القصة لم تنتهِ بعد. فالرجل ذو السترة الجلدية ما زال طليقًا… وماركوس كان مستعدًا لفعل أي شيء، كي لا يهدد أحد ابنه مرة أخرى.

تعليقات