غني تجاهل متسوّلة… لحد ما ابنه وقف وقال: بابا… هاي ماما!

غني تجاهل متسوّلة… لحد ما ابنه وقف وقال: بابا… هاي ماما!

في تلك الليلة، تمدّد براين على السرير إلى جوار زوجته ليزا، التي كانت نائمة وظهرها إليه، ويدها تحت الوسادة. كان وجود ليزا ملاذًا هادئًا بعد أن “رحلت” دونا. زواجهما بدأ كرفقة ملفوفة بإرهاق مشترك. لم يتحوّل إلى شغف، لكنه صار روتينًا، وبراين كان يحب الروتين.
في تلك الليلة، لم ينجح الروتين.
ظل عقله يعيد تشغيل الأغنية.
«أنت شمسي…»
قال لنفسه إن الأمر مستحيل. دونا ماتت قبل خمس سنوات في ذلك الحادث الشتوي. الجميع قالوا ذلك. التقارير قالت ذلك. المحكمة قالت ذلك. حزنه وقّع في النهاية على الأوراق ومضى قدمًا.
ومع ذلك، التصق الصوت به. مألوفًا على نحو لا يستطيع محوه.
نهض، ودخل مكتبه، وفتح حاسوبه المحمول كمن يفحص جرحًا تجنّب النظر إليه طويلًا.
مقاطع قديمة.
وجد تسجيلًا من عيد ميلاد ليو الأول. كان ابنه حينها طفلًا ممتلئ الخدين، وذقنه مغطاة بكريمة الكعك. بدت غرفة الجلوس أصغر، أدفأ. كانت دونا جالسة على الأريكة، وليو في حضنها، شعرها منسدل، وابتسامتها عفوية على نحو لا يبتسمه إلا من يشعر بالأمان الحقيقي.

في الفيديو، بدأت دونا تغنّي.
«أنت شمسي… أنت شمسي الوحيدة…»
النغمة نفسها.
الزفرة نفسها في نهاية كلمة “شمسي”.
اللين نفسه في كلمة “أرجوك”.
ضاق حلق براين بسرعة كادت تؤلمه.
أوقف الفيديو، وحدّق في وجه دونا على الشاشة كأن ملامحها قد تتغير إن أطال النظر.
ثم فتح تقرير الحادث، الملف الذي لم يمسّه منذ سنوات، لأن لمسه كان يشبه الوقوف على زجاجٍ مكسور.
الحادث.
الجسر الجليدي.
المعدن الملتوي.
والسطر الذي قال: “يُفترض الوفاة”، لا “مؤكدة”.
لم يكن قد أفسح مكانًا لهذا الفرق من قبل.

برز سطر صغير قاسٍ:
نمط الحروق متوافق مع تحطّم زجاج جهة الراكب.
جهة الراكب.
الندبة.
كانت المرأة في الشارع تحمل ندبة في المكان ذاته.
أغلق براين الحاسوب ببطء، كأن للحركة وزنًا.
ماذا لو كانت دونا قد عاشت؟
ماذا لو زحفت خارج ذلك الحطام إلى عالمٍ لا يعرف أين يضعها؟
ماذا لو مرّ بها هو… كما يمرّ على مشكلة في الرصيف؟
جلس في الظلام، ويداه تضغطان على صدغيه، وأدرك حقيقة قبيحة.
كان أسهل عليه لسنوات أن يعتقد أن دونا ماتت.
لأنه إن كانت حيّة، فهذا يعني أنه تخلّى عنها مرتين.
وليو أيضًا لم يستطع النوم.
كان مستلقيًا على سريره، دمية الأسد تحت ذقنه، يحدّق في السقف حيث يرسم ضوء الممر ظلالًا ناعمة. كان وجه أمه ضبابيًا في ذاكرته، كأن أحدهم لطّخ صورة بإبهامه. لكن صوتها كان واضحًا، شريطًا يربط ذكرياته.

تسلّل من سريره، وأحضر ألوانه، وبدأ يرسم.
امرأة بشعرٍ أصفر.
ولد صغير.
ودمية دب في عربة.
حين دخلت ليزا لاحقًا، وجدته جالسًا على الأرض، ولسانه يبرز قليلًا من شدة التركيز.
— ماذا ترسم؟ سألت بلطف.
رفع ليو الرسم.
وصلت ابتسامة ليزا أولًا، تلقائية.
— أهذه أنا؟
هزّ ليو رأسه.
— هذه أمي، قال بحذر، كأن الكلمات ثمينة.
— أمي الأولى، أضاف، بلا قسوة، فقط بدقة.
رمشت ليزا، وشعرت الغرفة فجأة بأنها أكثر صمتًا مما ينبغي.
— هي لم تمت، قال ليو كأنه يشرح الطقس. هي فقط ضائعة.
لم تجادله ليزا. لم تصححه. نظرت إلى الرسم لحظة أطول، ثم مسحت شعره مرة واحدة.
— هذا جميل، همست، وغادرت الغرفة وأفكارها تعيد ترتيب نفسها.
باقي القصة في الصفحة التالية رقم 3👇