غني تجاهل متسوّلة… لحد ما ابنه وقف وقال: بابا… هاي ماما!

غني تجاهل متسوّلة… لحد ما ابنه وقف وقال: بابا… هاي ماما!

في المساء التالي، قاد براين سيارته وحده إلى الشارع الذي شقّ يقينه.
أوقف السيارة حيث الإضاءة سيئة ورائحة الخرسانة رطبة. جلس خلف المقود لحظة طويلة، ويداه تشدّان عجلة القيادة بقوة.
وعبر الشارع… كانت هناك.
العربة نفسها.
المعطف نفسه.
الدبدوب نفسه، ملفوفًا كطفل.
ترجّل براين، يسير أبطأ مما يفعل في قاعات الاجتماعات. لم تكن هذه مفاوضة. كانت شيئًا أشد رعبًا.
اقترب بلا هيبة، بلا سلطة. مجرد رجل يسير نحو الماضي.
رفعت المرأة رأسها حين اقترب. أظهر الضوء ندبتها بوضوح. كانت عيناها متعبتين، بعيدتين… لكن
حيّتين.
توقّف على بعد خطوات.
انفصلت شفتاه.
— دونا؟ همس.
تجعّد جبينها. نظرت إليه كأنه تكلّم بلغة تكاد تفهمها لكنها لا تترجمها.
خفضت نظرها سريعًا، وشدّت ذراعيها حول الدبدوب.

تعثّر قلب براين. لم تزهر فيها شرارة التعرّف. ليس بعد.
لكن ارتجافها ضربه في أضلعه.
عاد إلى البيت تلك الليلة، وعاد في الليلة التالية ومعه كوب شاي ساخن.
هذه المرة لم يكن يرتدي بدلة. لا حذاءً مصقولًا. لا عطرًا. فقط معطف صوف رمادي، وألمًا لم يستطع
إخفاءه.
انحنى قربها، ووضع الشاي على الأرض بينهما، لا قريبًا جدًا.
— كنت أعرف شخصًا، قال برفق، كان يغنّي هذه الأغنية.
تصلّبت كتفاها. مالت رأسها، تصغي.
— هل لديك ابن؟ سأل بحذر من يمشي على الجليد.
صمت طويل.
ثم، بالكاد، أومأت.
— نعم، همست.
انحبس نفس براين.
— ما اسمه؟ سأل، وجزء منه كان يتمنى أي اسمٍ آخر.
نظرت إلى الدبدوب وتكلّمت كأنها تقرأ من صفحة داخل صدرها:
— ليو.

رنّ الاسم في براين كجرسٍ في ضباب.
ضغط يده على صدره.
— فقدته، قالت فجأة. لكنني أسمعه في نومي. يبكي… ثم يصمت. كل ليلة.
ارتجفت. لا صراخ، لا دراما. ارتجاف من احتجز الطوفان سنوات.
لم يلمسها براين. لم يمد يده. فقط بقي.
— إنه ليس شبحًا، همس. إنه حقيقي. وهو يفتقدك.
توقّفت أصابعها على قماش الدبدوب. لم تبكِ.
تراجع براين ببطء.
— سأعود غدًا، قال. إن كان ذلك مناسبًا.
لم تجب.
لكن حين استدار، رأى كوب الشاي وقد اقترب قليلًا من ركبتها.
لم يكن ثقة.
لكنه لم يكن عدمًا.
خلال الأسبوع التالي، فعل براين شيئًا لم يفعله منذ سنوات.
توقف عن تفويض المسؤولية.
وجد شقة صغيرة دافئة في زاوية هادئة من المدينة. ليست فخمة، ولا لافتة، فقط آمنة. رتّب ممرضة تفهم الصدمات أكثر من البروتوكول، ومعالجة نفسية لا تُسرع الصمت.

حين انتقلت دونا، لم تنظر إلى الدفء كمن نجا من البرد.
نظرت إليه بريبة، كأنه قد يختفي إن تنفست خطأ.
لم يُغرقها براين بالشرح. لم يطلب منها أن تتذكّر.
ترك الاستقرار يفعل ما لا يفعله الضغط.
ثم أحضر ليو.
دخل ليو الشقة ببطء، يحمل حقيبة ودمية دب خاصته. راح يبحث بعينيه عن شكل “البيت”.
كانت دونا جالسة قرب النافذة. التقت عيونهما.
لم تتغير ملامحها. لم تتعرّف عليه.
لم يَفزع ليو.
اقترب ووضع دميته بجوار دميتها على السرير.
دميتان متشابهتان، كأنهما توأمان افترقا ثم التقيا بإصرار طفل.
حدّقت دونا فيهما. رفعت يديها المرتجفتين، لمستهما، واحدة في كل كف. مرّت أصابعها على الخياطات البالية.
ومض شيء في وجهها… ذاكرة عضلية للحب.
— لماذا، همست، أشعر أنني أعرفك؟

لم يُجب ليو بالكلام.
احتضنها.
تجمّدت دونا، ثم ارتفعت ذراعاها ببطء، واحتضنته.
دفنت وجهها في كتفه.
اهتزّ جسدها ببكاء صامت، أعمق من اللغة.
وقف براين عند الباب، وترك مشاعره تكون.
لم يكن اللقاء مثاليًا.
كان حقيقيًا.
والحقيقي… كان أفضل.
في ليلتها الأولى، نامت دونا تحت لحافٍ يدوي. الدميتان بجوارها.
وفي غرفة الجلوس، جلس براين يستمع إلى دندنة المدفأة.
صدر من الغرفة صوت خافت… اسم واحد، كصلاة:
— ليو.
ثم جاءت الذكريات.
هذه المرة، بكت كأم تتذكّر.
وعندما عادت نتائج الحمض النووي، لم يعد السؤال: هل هي؟
بل: ماذا سنفعل بالحقيقة؟
وهكذا، لم يكن الختام كمالًا.
بل حضورًا.
عائلة مُرقّعة قليلًا… اختارت أن تبقى.