أرسلتُ لأمّي 1500 دولار شهريًا لعامين… ثم اكتشفتُ الحقيقة التي جعلتني أضحك من الصدمة
وقفتُ أرتجف، أحدّق في انعكاسي على زجاج المطبخ الداكن. امرأة ناضجة. تعمل. تدفع ضرائبها. تحافظ على سجلّها الائتماني نظيفًا. وتظنّ أنها تفهم العالم.
ومع ذلك، في تلك اللحظة، شعرتُ كطفلة صغيرة مجددًا، تنتظر أن يُقال لها إن كانت جيّدة أم سيئة.
قلتُ:
«سآتي الآن».
ضحك كول باستخفاف:
«افعلي ما تشائين».
أغلقت الهاتف قبل أن ينكسر صوتي.
قدتُ أربعين دقيقة إلى بيت أمّي. مسافة قريبة تكفي للزيارة، وبعيدة بما يكفي ليبدو إرسال المال «أسهل». كان الثلج يجعل الطرق زلقة، والسماء تبدو وكأنها تضغط على العالم.
قدتُ ويداّي مشدودتان على المقود، أُعيد في رأسي ما سأقوله.
ربما هناك سوء فهم.
ربما كول شوّه الكلام.
ربما كانت أمّي تفضفض ولم تقصد.
كنتُ أبني مخارج عاطفية كاملة في ذهني، لأن مواجهة الحقيقة كانت مخيفة.
حين وصلت، لاحظت أن أضواء الشرفة جديدة—أكثر حداثة وسطوعًا. وكان على الباب إكليل يبدو باهظًا، متناسقًا تمامًا، كأنه من كتالوج.
فتحت أمّي الباب قبل أن أطرق.
لم يكن وجهها متفاجئًا.
ولا مرتاحًا.
كان… مستعدًا.
قالت ببرود:
«لا يجب أن تكوني هنا».
قلتُ متقدمة خطوة:
«أمّي، ماذا يحدث؟ سمعتكِ—»
قاطعتني:
«سمعتِني؟ جيد. إذًا أخيرًا عرفتِ كيف كنتِ تتصرفين».
رمشتُ:
«أتصرف؟»
شبكت ذراعيها:
«كأنكِ تفعلين لي معروفًا. كأنكِ منقذتي. أنا لستُ حالة شفقة».
كنتُ قد تخيّلت بكاءً. عناقًا. حديثًا صعبًا ينتهي بفهم.
ليس هذا.
قلتُ بصوتٍ مرتجف:
«كنتُ أرسل المال لأنكِ قلتِ إنكِ تغرقين. ظننتُ أنكِ تحتاجين مساعدة».
أصدرت صوتًا بين الضحك والسخرية:
«وهل تظنين أن هذا يجعلكِ مميّزة؟ أفضل من عائلتك؟»
ألم قلبي كان جسديًا:
«لم أقل ذلك».
قالت بسمّ:
«لا تحتاجين أن تقولي. أنتِ تُشعّين به. تلك النظرة، ذلك الأسلوب. كأنكِ البالغة وأنا فوضى مثيرة للشفقة».
حدّقتُ فيها غير مصدّقة.
هذه المرأة كانت تتصل بي باكية. كانت تشكرني. كانت تقول إنها لا تعرف ماذا ستفعل بدوني.
والآن تنظر إليّ كشيء تريد كشطه عن حذائها.
ثم قالت الجملة التي خدّرت يديّ:
«كول هو الوحيد الذي أستطيع الاعتماد عليه».
شعرتُ وكأن صفعة أصابتني.قلتُ:
«كول؟ لم يدفع قرشًا واحدًا—»
قاطعتني بحدّة:
«لكنه هنا. يهتم. لا يجعلني أشعر بأنني صغيرة».
ضحكتُ مرة واحدة، بحدّة:
«إذًا… أنتِ غاضبة لأنني ساعدتكِ؟»
قالت:
«غاضبة لأنكِ تتصرفين كأنني مدينة لكِ».
كان بإمكاني الصراخ. المطالبة بالأرقام. بالإيصالات. بالاحترام.
لكن الجزء الذي تربّى على حفظ السلام ابتلع كل ذلك.
قلتُ بهدوء:
«لا أريدكِ أن تديني لي بشيء. أريدكِ فقط آمنة».
تصلّب وجهها أكثر.
قالت:
«لا أريد مالكِ بعد الآن. ولا أريد أسلوبكِ. أنتِ غير مرحّب بكِ هنا».
ساد الصمت.
حتى الثلج بدا صامتًا.
قلتُ:
«غير مرحّب بي؟»
فتحت الباب على مصراعيه، كأنها تدعو البرد ليشهد:
«اجمعي خردتكِ من غرفة الضيوف. خذيها واذهبي».
سبع كلمات. نظيفة. قاسية.
خذيها واذهبي.
وقفتُ أدرك شيئًا مرعبًا:
هي تقصد ذلك.
ليس مزاجًا.
ليس ضغطًا.
بل قرارًا.
مررتُ بجانبها دون أن ألمسها، كأنها غريبة. آثار حذائي المبللة على أرضها النظيفة لم تهمّها.
جمعتُ أشيائي بصمت، وانتظرتُ أن تلحقني… لكنها لم تفعل.
أُغلق الباب خلفي كقفل.
بعد أسبوع، عدتُ لأخذ الباقي. لا لأنني أردته، بل لأن عقلي كان يظنّ أن الإغلاق يعني إنهاء المهمة.
استأجرتُ عمّال نقل. كان الثلج يتساقط بكثافة.
البيت بدا دافئًا من الخارج. كأن شيئًا لم يكن.
فتح كول الباب هذه المرة، بابتسامة منتصرة.
سخر:
«لم يكن صعبًا إخراجك».
تجاهلته.
تبعني وهو يثرثر:
«أمّي أخيرًا رأت حقيقتك. أنتِ متحكّمة. تظنين أن المال يجعلكِ مهمّة».
توقفتُ ونظرتُ إليه:
«لماذا تفعل هذا؟»
قال بحدّة:
«لأنكِ لا تريدينني هنا».
ابتسم حين قلتها.
دخلتُ غرفة الضيوف.
الرائحة سبقت الرؤية: كحول، دخان، عرق.
الغرفة التي كانت لي أصبحت مأهولة.
وعلى الخزانة… فواتير.
ليست باسم أمّي.
باسم كول.
وحين رأيت التحويلات… ضحكتُ.
كلها كانت تذهب إليه.
حينها فقط فهمت.
أمّي لم تكن تغرق.
كانت تتسوّق.
أغلقتُ الملف، وخرجت.
قال كول باستخفاف:
«نحن لا نحتاجك».
قلتُ بهدوء:
«ستحتاجني».
ثم رحلت.
في تلك الليلة، لم أبكِ.
جلستُ ورتّبت كل شيء. فصلت الوصول. ألغيت التحويلات. وثّقت كل شيء.
بعد يومين، جاءوا يصرخون.
قلتُ بهدوء:
«توقفتُ عن الدفع».
قالوا إنني ناكرة للجميل.
ابتسمتُ.
وأغلقتُ الباب.
ولأول مرة منذ سنوات…
تنفّست بلا ذنب.

تعليقات