أهانها المدير لأنها بدت فقيرة… ولم يكن يعلم أنه يهين صاحبة الشركة!
في ذلك اليوم، قررت إيزابيل أن ترى الحقيقة بعينيها.
في تمام الثامنة صباحًا، عبرت الأبواب الرئيسية لمبناها الخاص كامرأة مجهولة. لم يرفع حارس الأمن رأسه حتى. تجاهلها التنفيذيون في الردهة تمامًا، وكأنها غير موجودة.
وهنا أدركت إيزابيل حقيقةً بوضوحٍ مؤلم:
لم تكن بحاجة إلى مزيد من الأدلة.
بعد ساعات، وهي تقف مبتلّة أمام الجميع، رفعت رأسها ببطء. لم تصرخ. لم تتوسل. ولم تبكِ بعد الآن.
— شكرًا — قالت بصوت ثابت — هذا بالضبط ما كنت أحتاج إلى رؤيته.
ساد الهمس في المكتب. عقد خوليان حاجبيه.
— عمّ تتحدثين؟ — قال ساخرًا.
أخرجت إيزابيل من حقيبتها المبتلة هاتفًا، واتصلت برقم واحد.
— مجلس الإدارة — قالت بهدوء — اصعدوا فورًا إلى الطابق الثاني والعشرين.
بعد عشر دقائق، دخل أقوى الرجال والنساء في مجموعة «ألتافيستا» إلى المكتب. وما إن وقعت أعينهم عليها حتى شحبت وجوههم…
— السيدة فوينتس… — همسوا.
ساد صمتٌ مطبق.
نزعت إيزابيل سترتها المبتلة، واستقامت في وقفتها، ونظرت إلى خوليان بهدوء.
— أنا إيزابيل فوينتس. رئيسة مجلس الإدارة والمالكة الكبرى لمجموعة «ألتافيستا».
ومن هذه اللحظة، أنت مفصول من عملك.
تراجع خوليان خطوة إلى الوراء، شاحب الوجه، عاجزًا عن الكلام.
جالت إيزابيل بنظرها في أرجاء القاعة.
— لم آتِ اليوم لمعاقبة الفقر — قالت — بل لمعاقبة الغطرسة.
شعر خوليان بأن العالم يضيق تحت قدميه.
صار الهواء فجأةً كثيفًا لا يكاد يدخل رئتيه. تحوّل طنين المكتب — أصوات لوحات المفاتيح، الطابعات، الهمسات — إلى ضجيج بعيد، كأنه يغرق تحت الماء.
رفض عقله تصديق ما سمعه للتو.
لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا، قال لنفسه.
إنها مزحة… فخ… شخص ما يريد إخافتي.
لكن الأمر لم يكن كذلك.
العيون التي كانت تراقبه قبل دقائق بخوف، صارت الآن تنظر إليه بشيء أسوأ بكثير: احتقار. شعر خوليان كيف انهارت سلطته، التي بناها خلال سنوات بالصراخ، والإذلال، وفرض الصمت، في ثوانٍ معدودة.
تذكّر كل أمرٍ أصدره بتعالٍ.
كل ضحكة ساخرة.
كل مرة خلط فيها بين السلطة والقسوة.
ولأول مرة، أدرك الخطأ القاتل الذي ارتكبه:
لم يكلّف نفسه يومًا أن ينظر إلى الناس في أعينهم.
سال عرق بارد على ظهره. كانت يداه ترتجفان، وحاول أن يقبضهما ليُخفي ذلك.
كيف لم أره؟ كيف كنت أعمى إلى هذا الحد؟
المرأة التي أغرقها بالماء، والتي نعتها بالمتسوّلة، كانت تقف الآن أمامه بهدوء ساحق. لم يكن في ملامحها غضب. وكان ذلك أكثر ما أخافه.
فالغضب يمكن مواجهته.
أما هدوء من حسم مصيرك… فلا.
شعر بوخزة في صدره حين أدرك أنه لم يفقد وظيفته فقط، بل فقد اسمه، وسمعته، ومستقبله. في تلك اللحظة، عرف خوليان أن لا علاقة، ولا واسطة، ولا منصب سابق سينقذه.
هكذا يكون الشعور، قال في داخله بمرارة.
هكذا يكون العجز.
وعندما اقترب الحراس، كان كبرياؤه آخر ما سقط. سار نحو المخرج ورأسه مطأطأ، يستمع إلى صدى خطواته، مدركًا أن تلك الإهانة — إهانته هو — سترافقه بقية حياته.
وعندما أُغلقت أبواب المبنى خلفه، فهم خوليان الحقيقة الأقسى على الإطلاق:
لم يكن قويًا يومًا.
كان فقط مسموحًا له.
والسماح…
قد سُحِب للتو.

تعليقات