ترك زوجته الحامل في الشهر التاسع على طريقٍ متجمّد… وما حدث بعدها غيّر حياتها للأبد

ترك زوجته الحامل في الشهر التاسع على طريقٍ متجمّد… وما حدث بعدها غيّر حياتها للأبد

للحظةٍ طويلة موجعة، لم أستطع الحركة.
إن بقيتُ هنا، سأموت. سيموت طفلي معي.
دفعتُ نفسي للأمام ببطء، شبرًا شبرًا، أدعو الله أن يحدث أي معجزة.
ثم، ومن خلال ضباب الثلج والظلام، رأيت أضواء سيارة.
عندما فتحتُ عينيّ مجددًا، كنت مستلقية في المقعد الخلفي لسيارة قديمة، ملفوفة في معطفٍ ثقيل.
قال صوتٌ هادئ لرجل:
«تماسكي يا ابنتي، أوشكنا على الوصول».
كان رجلًا مسنًّا، أشيب الشعر، يحمل وجهه آثار سنوات من العمل الشاق والطيبة. كان اسمه ناثان؛ أرملًا وسائق شاحنات سابقًا، يعمل الآن سائق أجرة ليملأ وقته. وجدني شبه متجمّدة على جانب الطريق، ولم يتردد لحظة واحدة.

أوصلني إلى المستشفى في اللحظة الأخيرة. كانت الساعات التالية ضبابًا من الألم والذعر، وخلال كل ذلك، بقي ناثان هناك. كان ينتظر خارج الغرفة، يتمشّى في الممرات كأبٍ قَلِق.
وحين خرجت الممرضة أخيرًا مبتسمة، قالت:
«لديكِ طفل ذكر سليم».
تمتمتُ والدموع تنهمر على وجهي:
«شكرًا لك… لولاك—»
قال بهدوء:
«لا داعي للشكر. ركّزي فقط على هذا الصغير».
نظر إلى طفلي، وقد لانَت ملامحه دهشةً.
«إنه كامل»، قال.

سألته:
«هل تودّ حمله؟»
سألني بصوتٍ منخفض:
«هل اخترتِ اسمًا له؟»
قلت:
«ماكس».
منذ ذلك اليوم، أصبح ناثان شريان حياتي. كان يزورني يوميًا، يجلب الطعام، يساعدني في الأوراق، ويجلس إلى جانبي بصمتٍ مطمئن. وعندما حان موعد خروجي من المستشفى، أخبرته أنه لا مكان لديّ أذهب إليه.
تردّد قليلًا، ثم قال بلطف:
«شقتي كبيرة على شخصٍ واحد. يمكنكِ أنتِ وماكس البقاء ما شئتما».

وهكذا بدأت حياتي الجديدة.
تقدّمتُ بطلب الطلاق. لم يُعارض غريغ، ولم يحاول حتى أن يسأل عن ابنه. بدا وكأنه تخلّص من عبءٍ كان يثقل عليه أكثر مما ينبغي. أمّا شارون، فقد اتصلت مرة واحدة فقط. لم أجب. أغلقت الهاتف، وحظرت رقمها، وشعرت للمرة الأولى منذ زمنٍ طويل بأن صفحةً كاملة من حياتي قد أُغلقت بلا ندم. ذلك الفصل انتهى، بكل ما حمله من قسوة وخذلان.
مرّ الوقت، كما يفعل دائمًا، لا يستأذن أحدًا. كبر ماكس شيئًا فشيئًا، وتحوّل بكاؤه الأول إلى ضحكاتٍ صافية تملأ المكان. كان يضحك كلما دخل ناثان الغرفة، وكأن قلبه الصغير تعرّف عليه منذ اللحظة الأولى. كنت أراقبهما من بعيد، وأشعر بأن شيئًا داخلي يلتئم ببطء. قلبي، الذي تحطّم يومًا وامتلأ بالخوف، بدأ يتعلّم من جديد كيف يثق، لا بالكلمات، بل بالأفعال. كان ناثان حاضرًا دائمًا؛ في الليالي المتعبة، وفي الصباحات الصامتة، وفي التفاصيل الصغيرة التي تصنع الأمان.
وفي إحدى أمسيات الصيف، حين كان الهواء دافئًا والسماء هادئة، وبعد أن غفا ماكس بسلام، طلب مني ناثان أن أتمشّى معه قليلًا. سرنا بصمتٍ في البداية، كأن الكلمات تحتاج إلى شجاعةٍ خاصة كي تُقال.
توقّف فجأة، ونظر إليّ بنظرةٍ لم أرَ فيها تردّدًا، بل صدقًا عميقًا. قال بهدوءٍ يشبهه:
«ليا، أعلم أن هذا قد يبدو مفاجئًا… وربما سابقًا لأوانه. لكنني أحبك. أنتِ وماكس لم تدخلا حياتي فحسب، بل أعدتما إليها المعنى والفرح. لا أبحث عن تعويضٍ عمّا فقدت، بل عن حياةٍ أشارككما فيها، إن قبلتِ بي».

ثم أخرج علبة مخملية صغيرة، وفتحها بيدٍ ثابتة، كاشفًا عن خاتمٍ بسيط، لا يلمع بالفخامة، بل بالصدق.
لم أتمالك نفسي. امتلأت عيناي بالدموع، لا من ألمٍ أو خوف، بل من فرحٍ عميقٍ أربكني حتى شعرت أن التنفّس صار ثقيلًا. لم أحتج إلى التفكير طويلًا. كل ما مررتُ به قادني إلى تلك اللحظة تحديدًا.
همست بصوتٍ مرتجف:
«نعم… نعم يا ناثان».
تزوّجنا بهدوء، بلا ضجيج ولا استعراض، محاطين بعددٍ قليل من الأصدقاء الذين عرفوا قصتنا واحتضنوها بقلوبهم. وكان ماكس، مرتديًا بدلةً صغيرة أكبر قليلًا من مقاسه، يحمل الخواتم في الممر بخطواتٍ متعثّرة وابتسامةٍ أضاءت المكان أكثر من أي زينة.
وبعد أشهر، حين وقّع ناثان أوراق التبنّي، أدركت أن العائلة لا تُبنى بالدم وحده، بل بالاختيار، والالتزام، والرحمة. صار ماكس يحمل اسم رجلٍ لم يتركه يومًا، ولم يضعه في المرتبة الثانية.
عندها فقط فهمت أن تلك الليلة الباردة، على ذلك الطريق المتجمّد، لم تكن نهاية حياتي… بل بدايتها الحقيقية.