عندما قالت طفلة في الرابعة: «جدّي، أمّي ستموت»… انكشف كلّ شيء

عندما قالت طفلة في الرابعة: «جدّي، أمّي ستموت»… انكشف كلّ شيء

انتقلنا مؤقّتًا إلى بيت والديّ. عانت لوسيا من الكوابيس لأسابيع، لكنها بدأت تبتسم من جديد. تعلّمتُ المشي على العكّازات، وشيئًا فشيئًا تعلّمتُ أن أثق بنفسي مجدّدًا. التحقتُ بالعلاج النفسي، وتعرّفتُ إلى نساء أخريات يحملن قصصًا مشابهة. أدركتُ أنّ الصمت كان أكثر ما آذانا.
جاءت المحاكمة بعد أشهر. أنكر خافيير كلّ شيء حتى النهاية، لكنّ الأدلة كانت واضحة. وعندما قرأ القاضي الحكم وأصدر قرار الإبعاد النهائي، شعرتُ بمزيج من الراحة والحزن. لا حزنًا عليه، بل على الحياة التي ظننتُ أنّني سأعيشها ولم توجد يومًا.
اليوم، بعد عامين، ما زلتُ أعرج قليلًا عندما يشتدّ البرد، لكنّني أمشي مرفوعة الرأس. أصبحت لوسيا تفهم أنّ ما عشناه لم يكن طبيعيًا ولا مقبولًا. وتعلم أنّ طلب المساعدة ليس خيانة لأحد، بل هو إنقاذ للنفس. عدتُ إلى عملي، وأعدتُ بناء روتيني، وقبل كلّ شيء، ثقتي بنفسي.

أحيانًا يسألني الناس كيف امتلكتُ الشجاعة للتصرّف في تلك اللحظة. الحقيقة أنّني لم أكن شجاعة؛ كنتُ خائفة. لكنّ حبّي لابنتي كان أقوى من الخوف. الإشارة، والرقم السرّي، لم يكونا خطّة محكمة، بل كانا أملًا. وقد نجحا.
أروي قصّتي لأنّني أعلم يقينًا أنّ كثيرين ممّن يقرؤون هذه الكلمات قد يجدون أنفسهم بين سطورها، ولو جزئيًا. فالعنف لا يولد فجأة في صورة ضربةٍ أو كسر، بل يتسلّل بهدوء، خطوةً خطوة، عبر كلماتٍ جارحة، ونظراتٍ مُهينة، ومحاولاتٍ خفيّة للسيطرة، وعزلةٍ تدريجية تُفقد الإنسان ثقته بنفسه وبمن حوله. وإذا كان هناك صوتٌ صغير في داخلك يقول إنّ ما تعيشه ليس طبيعيًا، وإنّ هناك خطبًا ما، فلا تُسكت ذلك الصوت. أنصت إليه جيدًا، لأنّه غالبًا آخر خطّ دفاعٍ عن كرامتك وسلامتك. تحدّث إلى شخصٍ تثق به، لا تخجل من طلب العون، وابحث عن مساعدة متخصّصة، فطلب المساعدة ليس ضعفًا، بل شجاعة ووعي. والأهمّ من ذلك كلّه: لا تنتظر حتى يفوت الأوان، ولا تسمح للخوف أن يقنعك بأنّ الصمت يحميك.

وأوجّه حديثي أيضًا إلى كلّ من يحيطون بالضحايا: إلى الآباء والأمّهات، إلى الإخوة والأخوات، إلى الأصدقاء والجيران وزملاء العمل. وجودكم ليس تفصيلًا عابرًا في حياة من يتألّم، بل قد يكون الفارق بين النجاة والانهيار. أحيانًا لا يحتاج الإنسان أكثر من مكالمة صادقة، أو سؤالٍ نابع من القلب، أو كلمة تقول له: «أنا أصدّقك، وأنا هنا لأجلك». لقد صدّق والدي طفلةً في الرابعة من عمرها، لم تشكُ ولم تشرح، بل قالت جملة بسيطة خرجت من قلبٍ خائف. ومع ذلك، لم يتردّد، لم يشكّك، لم يؤجّل. تحرّك فورًا، وكان ذلك القرار سببًا في إنقاذ حياتنا كلّها. هذا هو ثقل المسؤولية، وهذا هو معنى أن تكون إنسانًا حاضرًا لا متفرّجًا.

وإن كانت هذه القصة قد لامست قلبك، أو أيقظت في داخلك ذكرى، أو جعلتك تتوقّف لحظةً للتفكير، فأدعوك إلى مشاركتها مع غيرك، لعلّها تصل إلى شخصٍ يحتاجها في هذه اللحظة بالذات. قد يقرأها إنسان يشعر أنّه محاصر ولا مخرج له، فيجد فيها بصيص أمل أو دفعة شجاعة لم يكن يملكها من قبل. شارك رأيك، واكتب كلمة دعم، أو انشر أرقام ومصادر المساعدة المتاحة في بلدك، لأنّنا حين نتكاتف، ونمدّ أيدينا لبعضنا البعض، نستطيع أن نبني شبكة دعم حقيقية، شبكة لا تقوم على الشفقة، بل على الفهم والحماية والتضامن.

لأنّه لا ينبغي لأيّ امرأة أن تُجبَر على اختراع إشارةٍ سرّية كي تنجو بحياتها، ولا لأيّ طفل أن يتعلّم الخوف والقلق قبل أن يعرف معنى الأمان والطمأنينة. يجب ألّا يصبح الرعب جزءًا من الطفولة، ولا الصمت قدرًا مفروضًا على من يتألّم. إنّ الكلام، والمشاركة، والتدخّل في الوقت المناسب هي الخطوة الأولى لكسر دائرة العنف، ومن دون هذه الخطوة يستمرّ الألم في الدوران بلا نهاية.
فكّر قليلًا: لو كنتَ في مكان من حولك، هل كنتَ ستتجاهل الإشارات؟ أم كنتَ ستسأل، وتستمع، وتتحرّك؟ كلّ واحدٍ منّا قد يكون يومًا الشخص الوحيد القادر على إحداث الفرق. لا تقل إنّ الأمر لا يعنيك، ولا تؤجّل الفعل إلى الغد. صوتك مهمّ، وموقفك قد ينقذ حياة، وربما أكثر.