أجبرني على الاستحمام تحت الماء المتجمّد وأنا حامل… لكنه لم يكن يعلم من يكون والدي
اسمي لوسيا ألفاريز، وعندما وقعت كلّ تلك الأحداث كنتُ حاملاً في شهري السابع. كنتُ أعيش في قرية باردة في الشمال مع زوجي، خافيير موراليس، رجلٌ يظهر للناس مهذّبًا مستقيمًا، لكنه في البيت كان قاسيًا متسلّطًا. في تلك الليلة الشتوية، انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر. كنتُ بالكاد أستطيع المشي براحة؛ بطني مشدود، وظهري كأنّه منقسم إلى نصفين. نسيتُ شراء الملح، وهي هفوة تافهة أشعلت غضبه. لم يصرخ؛ فذلك كان سيُنبه الجيران. ابتسم تلك الابتسامة التي تعلّمتُ أن أخافها، وقال إنني بحاجة إلى «تعلّم الدرس».
أمسكني من ذراعي واقتادني إلى الفناء الخلفي. كان هناك صنبور ماء خارجي قديم، صدئ، بلا أي حماية. قال بلهجة آمرة: «ستستحمّين هنا». حاولتُ أن أجادله، وأن أشرح له أنّ الطبيب منعني من التعرّض للبرد الشديد. لم يُجدِ ذلك نفعًا. فتح الصنبور، فانهمر الماء المثلّج كالسكاكين. كانت يداي ترتجفان، وأسنانُي تصطكّ، واختلط الألم بخوفٍ جافّ صعد إلى حلقي. وقف خافيير يراقب من عند الباب، واثقًا أنّ أحدًا لن يرى شيئًا، ومقتنعًا بأنّني لا أملك من ألجأ إليه.
وبينما كان الماء ينهال عليّ، فكّرتُ بابنتي التي لم تولد بعد. وفكّرتُ كيف وصلتُ إلى تلك الحال: العزلة، الاعتذارات الكاذبة، والوعود التي تأتي بعد كلّ دفعة «غير مرئية». صمدتُ لأنّني أدركتُ أنّ الصراخ لن ينفع. وصمدتُ لأنّ البقاء على قيد الحياة صار مهمّتي الوحيدة. وحين أغلق الصنبور أخيرًا، تركني مطروحة على الإسمنت. قال قبل أن يرحل: «لن يصدّقك أحد».
في تلك الليلة، أصابتني تقلّصات خفيفة. ومع الفجر، وأنا محمومة الجسد، وجدتُ القوّة لأجري اتصالًا كنتُ أؤجّله منذ أشهر. طلبتُ رقمًا تجنّبتُه طويلًا بدافع الكبرياء والخوف من أن أُدان. على الطرف الآخر، أجابتني نبرةٌ حازمة مألوفة لم أسمعها منذ سنوات. قلتُ كلماتٍ قليلة، بالقدر اللازم. ساد صمتٌ طويل. ثم جاءت جملة غيّرت كلّ شيء: «سأصل اليوم».
لم يكن خافيير يعلم أنّ والدي، أليخاندرو ألفاريز، لن يصدّق كلّ كلمة فحسب؛ بل كان واحدًا من أغنى رجال البلاد. وما كان قادمًا لم يكن انتقامًا متهوّرًا، بل عدالةً بدأت تتحرّك.
وصل والدي في ذلك المساء نفسه، من دون حراسة ظاهرة، ومن دون ضجيج. لم يأتِ ليصرخ أو ليطرق الأبواب بعنف؛ جاء ليراقب. اصطحبني إلى مستشفى المدينة، حيث أكّد الأطباء إصابتي بانخفاضٍ خفيف في حرارة الجسم وإجهادٍ حملي. سُجّل كلّ شيء: صور، وتقارير، وشهادات. لم يكن أليخاندرو يتصرّف بعشوائية؛ فقد أمضى عقودًا يبني إمبراطوريات، وكان يعلم أنّ السلطة الحقيقية تُمارَس بالأدلّة.
وأنا طريحة الفراش، فعّل شبكةً صامتة. راجع محامٍ جنائي ملفّي الطبّي. وتحدّثت معي أخصائية اجتماعية من دون استعجال. ووثّق محقّقٌ خاصّ الروتين اليومي والمكالمات والتحرّكات المصرفية. واكتشفنا أنّ خافيير لم يكن يسيء إليّ فقط؛ بل زوّر توقيعات، واستخدم بياناتي للحصول على قروض، وحوّل أموالًا من شركة عائلية صغيرة إلى حسابات مشبوهة.
عندما حضر خافيير إلى المستشفى، واثقًا أنّ الأمر سينتهي بـ«خلافٍ زوجي»، فوجئ بأمر إبعادٍ مؤقّت. تلاشت ابتسامته. حاول الاتصال بي؛ فحُظر رقمه. حاول الذهاب إلى المنزل؛ فكانت الأقفال قد غُيّرت قانونيًا، مع جردٍ وإخطارٍ قضائي. لم يكن هناك شيء غير قانوني؛ كلّ شيء كان دقيقًا.
شرح لي والدي كلّ خطوة بهدوء. قال: «لن أنقذك بالصراخ؛ سأحميك بالقانون». خلال أيام، فتحت النيابة تحقيقًا بتهم العنف الأسري والاحتيال. وبدأ الجيران، الذين كانوا سابقًا غير مبالين، يتذكّرون ضوضاء وبكاء وضرباتٍ مكتومة. انكسر الصمت لأنّ أحدهم اتّخذ الخطوة الأولى.
لكنّ ما ظننته نهايةً للألم، لم يكن سوى بداية فصلٍ آخر أكثر قسوة، فيه سيتكشّف كلّ ما كان مخفيًا… وسأكتشف أنّ النجاة لا تعني بالضرورة السلام.
⬇️
باقي القصة في الصفحة التالية (رقم 2)

تعليقات