عاد المليونير إلى منزله مبكّرًا… وما رآه مع أطفاله جعله ينهار باكيًا
غير أنّ ذلك الصباح كان مختلفًا. كان جدول أعماله مزدحمًا بالاجتماعات حتى ساعات المساء المتأخّرة، لكنّ قلقًا لا تفسير له ظلّ يلاحقه منذ لحظة استيقاظه.
كان المنطق يدفعه إلى الالتزام بالخطة المرسومة، غير أنّ شيئًا أهدأ وأعمق في داخله دفعه إلى مغادرة العمل مبكّرًا، وهو قرار نادرًا ما كان يسمح لحدسه باتّخاذه.
لم يكن ماثيو يدرك أنّ هذا الاختيار البسيط سيُعيد تشكيل حياته، ويكشف له حقائق جوهرية عن الحبّ، والفقد، وما الذي يستحقّ الاهتمام حقًّا.
كان ماثيو يعيش في قصرٍ شاهق خارج المدينة، تتلألأ جدرانه الزجاجية كأنّها نصبٌ للنجاح والإنجاز المصنوع بعناية.
من الخارج، بدت حياته كاملة، منظّمة، مثالية في نظر كلّ من يراها من بعيد.
لكن في الداخل، كان كلّ شيء مختلفًا تمامًا؛ فراغٌ صامت، ممرّات هادئة، وصدى دائم لشيءٍ مفقود.
كانت زوجته قد توفّيت قبل سنوات، تاركةً إيّاه وحيدًا يربّي طفليهما، نوح وغريس، بينما كان هو يحاول النجاة من حزنٍ لم يواجهه يومًا مواجهةً حقيقية.
حرص على ألّا ينقصهما شيء من الناحية المادّية، لكنّه أخفق في منحِهما ما كانا يحتاجانه أكثر من أيّ شيء: حضوره، واهتمامه، وتواصله العاطفي.
كانت أيّامه تضيع بين العقود وغرف الاجتماعات، بينما كان أطفاله يكبرون بصمت، تشكّلهم روتيناتٌ بُنيت حول طموحه لا حول عنايته.
كان البيت أشبه بصالة عرضٍ أنيقة لا بروحٍ حيّة؛ نظيفًا، مضبوطًا، يخضع لإشرافٍ دقيق من أوليفيا بروكس، مدبّرة المنزل.
عملت أوليفيا في البيت قرابة ثلاث سنوات؛ هادئة، كفؤة، يمكن الاعتماد عليها، وغالبًا ما تمرّ دون أن يلاحظها أحد، تتحرّك بين الغرف بلا تقديرٍ أو اعتراف.
بالنسبة إلى ماثيو، لم تكن سوى المرأة التي تحافظ على النظام وتضمن سير كلّ شيء بسلاسة في منزله المُدار بدقّة.
أمّا بالنسبة إلى نوح وغريس، فكانت الطمأنينة، والصبر، والدفء؛ الحضور الثابت الذي ملأ الفراغ الذي خلّفه غياب أمّهما.
كانت أوليفيا تحمل حزنها الخاص. أمًّا عزباء فقدت طفلها الوحيد في حادثٍ مأساوي، ونادرًا ما كانت تتحدّث عن تلك الخسارة المدمّرة.
ومع ذلك، ظلّ الحزن مقيمًا في عينيها، لكن حين تكون مع الطفلين، كان شيءٌ لطيف يعود إليها، يخفّف جراحًا عميقة دفنتها في داخلها.
في ذلك العصر، انزلقت سيارة ماثيو إلى الممرّ بينما كان ضوء الشمس لا يزال يغمر البيت بلونٍ ذهبيّ، ودخل متوقّعًا الصمت.
لكنّ الضحك أوقفه في مكانه.
ضحكٌ صادق، مشرق، لم تعرفه تلك الجدران منذ سنواتٍ طويلة فارغة.
كان الضحك صادرًا من غرفة الطعام، وكلّما اقترب، سُلب نَفَسه بما رآه.
كانت أوليفيا واقفة إلى جانب الطاولة، بزيّها الأخضر المرتّب وشَعرها المصقول، بينما كان نوح وغريس يشعّان فرحًا خالصًا أمامها.
كانت كعكة شوكولاتة مزدانة بالفواكه والكريمة تتوسّط الطاولة، وأوليفيا تقطّع منها قطعًا سخية، فيما كان الطفلان يصفّقان بحماسة.
كانت آثار الكاكاو تلطّخ قميص نوح، ونقاط الكريمة تزيّن فستان غريس، دليلًا واضحًا على أنّهم شاركوا في خبزها بأيدٍ صغيرة متلهّفة.
لم يكونوا يأكلون فحسب؛ كانوا يحتفلون بشيءٍ دافئ، حميميّ، نابض بالحياة داخل ذلك البيت الذي طال صمته.
ضحكت أوليفيا معهما، ومسحت الكريمة عن خدّ غريس، وربّتت على رأس نوح، تعاملُهما كما لو كانا طفلَيها.
امتلأت الغرفة بالحبّ، حبٍّ نقيّ بلا تكلّف، شيءٌ كان ماثيو قد حرم بيته منه دون أن يشعر طوال سنوات.
وقف متجمّدًا، الدموع تُغشي بصره، متأثّرًا لا بالكعكة، بل بالحقيقة التي تتكشّف أمامه.
هذه المرأة التي بالكاد كان يلحظ وجودها، منحت أطفاله ما حرمهم هو منه طويلًا: شعور العائلة والانتماء.
اشتدّ الشعور بالذنب في صدره. فبينما كان يبني مستقبلهم، كان قد تخلّى عن حاضرهم، وخلط بين الإعالة والأبوّة.
تذكّر زوجته الراحلة، إليانور، التي كانت تقول دائمًا إنّ الأطفال يحتاجون إلى الحضور أكثر من الهدايا، وهي حكمة تجاهلها وهو غارق في حزنه.
بعد وفاتها، دفن نفسه في العمل، ظانًّا أنّ النجاح سيحميه من الألم ومن الأسئلة التي لا إجابة لها.
بقي واقفًا عند الباب، يسمح لتلك اللحظة أن تنفذ عميقًا إلى روحه، قبل أن يتقدّم أخيرًا.
وحين فعل، فاجأهم حضوره. استقامت أوليفيا بتوتّر، والتفت الطفلان إليه بملامح فضول.
ارتجف صوت ماثيو وهو ينطق كلمةً واحدة، مثقلة بالمعنى والندم:
«شكرًا».
اندفع نوح وغريس نحوه فورًا، يتحدّثان معًا، بينما ركع وضمّهما إلى صدره.
انهمرت دموعه بلا حرج، وللمرّة الأولى منذ سنوات، رأى الطفلان أباهما يبكي.
لم يشعروا بالخوف، بل ازدادوا قربًا منه، إذ أحسّوا بالصدق والهشاشة في المكان الذي كان يسكنه البعد.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر ماثيو. صار يخصّص وقتًا للّعب، وللاستماع، ولمجرّد أن يكون حاضرًا في حياتهما.
لكن ما لم يكن ماثيو يتوقّعه، أنّ اللحظة الأشدّ ألمًا في حياة أوليفيا لم تُكشف بعد… وما سيعرفه لاحقًا سيغيّر نظرته إليها، وإلى نفسه، إلى الأبد.
⬅️ تابعوا باقي القصة في الصفحة التالية (2)

تعليقات