لماذا يجب حرق ملابس المتوفي قبل الأربعين

في ثقافاتنا الشعبية تتوارث الأجيال العديد من العادات المرتبطة بالموت والفقد، بعضها قائم على أسس دينية صحيحة، وبعضها الآخر مجرد اجتهادات بشرية أو خرافات خرجت من رحم الخوف من الغيب. ومن بين أكثر هذه المعتقدات شيوعًا عادة حرق ملابس المتوفي قبل مرور أربعين يومًا على وفاته، وهي عادة ما زالت حاضرة في بعض البيوت والقرى حتى اليوم. حين يُسأل الناس عن سببها تختلف التبريرات: فهناك من يرى أن روح الميت تبقى قريبة من متعلقات جسده، وأن الاحتفاظ بالملابس قد يجذب النحس أو المرض. آخرون يعتقدون أن الحرق يرمز لقطع آخر خيط بين الحي والميت حتى لا يبقى أهل الفقيد سجناء الذكريات. ورغم تباين المبررات إلا أن القاسم المشترك بينها هو الخوف من عالم ما وراء الموت.
عند البحث في المصادر الشرعية الموثوقة نجد أن هذا الاعتقاد لا أصل له في الإسلام، فلا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ما يشير إلى ضرورة حرق ملابس الميت، بل على العكس كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يتركون المتعلقات إما ميراثًا لأهل البيت أو يتصدقون بها للمحتاجين. وقد رُوي أن بعض الصحابة كانوا يرتدون ثياب إخوانهم بعد وفاتهم دون حرج، مما يدل على أن الاحتفاظ بملابس الميت أو التبرع بها أمر مشروع ولا يترتب عليه ضرر. أما فكرة “الأربعين” فلم يرد بها أي نص وإنما ارتبطت بطقوس اجتماعية لها علاقة بالحزن وإحياء ذكرى المتوفي.
الجانب النفسي يفسر هذه العادة من زاويتين؛ الأولى أن البعض يرى التخلص من ملابس الميت بالحرق وسيلة لتخفيف الألم ومنح أنفسهم شعورًا بأن الفصل قد تم، كطقس رمزي يساعدهم على الاستمرار في الحياة. والثانية أن آخرين يخشون أن وجود الملابس يثير لديهم الحنين المؤلم، فيفضلون التخلص منها بأي طريقة. وفي كلا الحالتين، يبقى الأمر عادة اجتماعية وليس عبادة أو فريضة، أي أن من تركها لا يؤثم، ومن مارسها إنما اتبع عادة بشرية لا دليل شرعي عليها.
من الزاوية الصحية أيضًا، يربط البعض بين حرق الملابس وبين الخوف من العدوى في حال وفاة المريض بمرض معدٍ، لكن العلم الحديث بيّن أن غسل الملابس جيدًا وتعقيمها يكفي، ولا حاجة إلى الإحراق. هذا يجعل من الواضح أن السبب الديني أو الطبي لحرق الملابس غير قائم، وأن الأمر محض إرث ثقافي تناقله الناس جيلاً بعد جيل. وهنا ينبغي التفرقة بين الدين وما يضيفه الناس إليه من خرافات حتى لا يُخلط الحق بالباطل.
تابع لتعرف الحقيقة الكاملة في الصفحة الثانية…
هل حقًا يجب حرق الملابس أم أن هناك خيارًا أفضل؟
تعليقات