قصة تخلّت عنّي أمّي في المطار وأنا في الثامنة من عمري

قصة تخلّت عنّي أمّي في المطار وأنا في الثامنة من عمري

عندما عادت أمي بعد سنوات، لم تجد البيت كما تركته، ولم تجدني في انتظارها كما كانت تظن. وجدت غرفة طفولتي فارغة تمامًا، الألعاب التي كانت تكره فوضويتها اختفت، والسرير الصغير المرتب بيدها للمظاهر فقط لم يعد موجودًا. لم يبقَ سوى جدران صامتة تشهد على غياب دام طويلًا، وتوقّف طفلة عن الانتظار في اللحظة التي أدركت فيها أنها لم تكن يومًا أولوية. كل شيء في البيت بدا وكأنه نزع آخر أثرٍ لها عمدًا.

في تلك السنوات، كان والدي هو من أعاد بناء عالمي المحطّم، رغم أنه كان شبه غريب عني في البداية. عندما أخذني معه في طائرته الخاصة، لم أفهم لماذا يعاملني بلطف لم أره يومًا في حضن أمي. كانت رحلته الأولى معي طويلة وصامتة، لكنه وضع معطفي فوق كتفيّ عندما بردت، ومسح دموعي دون أن يسأل شيئًا. تلك الإيماءات الصغيرة كانت أكثر دفئًا من كل سنواتي الثماني معها، وكأن قلبي وجد مكانه الطبيعي أخيرًا.

عشنا في منزل كبير يطل على البحر، وكان والدي يحاول كل يوم أن يعوّض ما فات، رغم جهله الكامل بطريقة التعامل مع طفلة مكسورة. كان يحضر لي ألعابًا، ثم يجلس محتارًا حين لا أعرف كيف ألعب مثل الأطفال الآخرين. كان يصطحبني إلى المدرسة بنفسه، رغم أنه رجل أعمال مشغول، لأنني كنت أرتجف من الخوف في كل صباح. ومع كل خطوة، كنت أتعلم معنى الأمان الذي لم أعرفه يومًا.

مرت السنوات، كبرتُ فيها وأنا أتعلم شيئًا واحدًا: أن الحب ليس كلامًا ولا هدايا ولا وعودًا، بل حضور وثبات. كنت أراه يتغيّر أمامي، يتخلى عن عمله لساعات طويلة كي يحضر مسرحياتي المدرسية، ويحضر اجتماعات الأهل، ويبقى مستيقظًا بجانبي عندما أمرض. وفي كل مرة، كنت أسأله السؤال نفسه: “لماذا عدتَ من حياتي بعد كل هذا الغياب؟” وكان جوابه واحدًا دائمًا: “لم أكن أعلم… ولكن الآن لن أتركك أبدًا.”


الصفحة القادمة… اللحظة التي عاد فيها شبح الماضي، وكيف واجهتُ أمي بعد كل تلك السنوات…
ولا تتوقعي ردّة فعلي أبدًا.