قصة رأت كلير فتىً هزيلًا واقفًا عند بوابة القصر

قصة رأت كلير فتىً هزيلًا واقفًا عند بوابة القصر

تجمّدت كلير في مكانها، لا تعرف هل تتنفس أم أن الهواء رفض الدخول إلى رئتيها. كان ويليام واقفًا أمامها، كتفاه العريضتان تعكسان ظلًا ثقيلًا على جدران المطبخ، وملامحه لا تكشف شيئًا مما يدور بداخله. أخذ خطوة إلى الأمام، خطوة جعلت الطفل ينكمش فوق الكرسي كطائر صغير سُحب من عشه. ثم قال بهدوء يمزّق السكون: “هذا… ليس غريبًا يا كلير. هذا الطفل ابني.” شعرت كلير أن الأرض تميد تحتها، وأن صوت الموقد يختفي، وأن شيئًا لا يمكن تفسيره انشقّ أمامها فجأة.

لم تستطع الكلام؛ الكلمات كانت كحجارة عالقة في حلقها. ابن؟ ابن من؟ ومن أين جاء؟ كيف يقف أمام بوابة القصر متجمّعًا بردًا وخوفًا كأنه لم يجد صدرًا يحميه يومًا؟ نظرت إلى الطفل، إلى وجهه الشاحب وملامحه التي لم تكن تشبه ويليام كثيرًا لكنها تحمل شيئًا غامضًا مألوفًا. أما ويليام فكان يحدّق فيه بنظرة غريبة، نظرة لا تشبه نظرة أب لطفله، بل نظرة رجل يرى سرًا من ماضيه يعود ليطالبه بشيء نسيه أو حاول نسيانه.

قرب الكرسي، رفع الطفل عينيه ببطء والتقت نظراته بنظرات ويليام، وعندها لاحظت كلير شيئًا لم تدركه قبلًا. خلف الخوف والانكماش، كان هناك اعتراف صامت… وكأن الطفل يعرف تمامًا من يكون الرجل الذي يقف أمامه. ارتعشت يد الصغير وهو يمسك الملعقة، ثم أنزلها ببطء على الطاولة، وبدا كأنه يريد النطق لكن صوته ما زال محبوسًا في صدره. في تلك اللحظة اكتشفت كلير أنها ليست وحدها التي ارتجفت، فحتى يد ويليام اليمنى ارتعشت ارتعاشة خفيفة كأنه تلقى ضربة غير مرئية.

تقدّم ويليام أكثر، حتى أصبح على بُعد خطوات قليلة من الطفل، ثم انحنى قليلًا يحاول النظر في وجهه مباشرة. قال بصوت منخفض: “كم عمرك يا بني؟” كانت تلك أول مرة يتحدث فيها إليه بنبرة تحتوي شيئًا قريبًا من الحنان، لكن الطفل لم يجب. فقط تحرك بجسده قليلًا وكأنه يقاوم ذكرى ثقيلة. وللحظة قصيرة جدًا، لكن واضحة، تساقطت دمعة واحدة من عينه اليسرى، لم يشعر بها إلا كلير. كانت تلك الدمعة وحدها كافية لإشعال نار في صدرها، نارًا جعلتها تشعر بأن وراء هذا الطفل حكاية أكبر من خطأ رجل… وربما أكبر من ذنبه أيضًا.

الصفحة الثانية تحمل ما حاول ويليام إخفاءه لسنوات والطفل ليس كما يبدو أبدًا