نادلة فعلت شيئًا بسيطًا مع توائم صُمّ… فحدثت معجزة لم يتوقّعها أحد
كانت الساعة تشير إلى العاشرة وثمانيٍ وخمسين دقيقة ليلًا، حين انفتحت البوابة الزجاجية لمطعم «باركفيو غريل» تحت وطأة رياح نوفمبر الحادّة.
دخل دانيال مونرو إلى الداخل، وهو يضمّ إلى صدره ثلاث ستراتٍ صغيرة للأطفال، كأنها أثقل من مجرد قماش. وخلفه تبعتْه ثلاثة ظلالٍ هادئة، تعلّمت كيف تتحرّك دون أن تُحدِث صوتًا.
صوفيا، وليلي، ومايا—ثلاث توائم في الخامسة من العمر—سرن في خطٍّ مستقيم. الغُرّة الداكنة نفسها. العيون الواسعة المترقّبة نفسها. كان المطبخ يشتعل بأزيز الزيت الساخن، بينما امتلأت قاعة الطعام برائحة القهوة المحترقة والمعدن الدافئ.
كانت تلك الساعة الفاصلة في حيّ بروكلين هايتس؛ حين لا تكون المطاعم مكتظّة ولا مغلقة بعد، وحين يجعل الضوء الأصفر كلّ شيء يبدو كصورةٍ قديمة.
كانت إيميلي باركر تمسح الطاولات في الجهة الخلفية، تحرّك قطعة القماش في دوائر بطيئة. أمضت ثماني ساعات واقفة على قدميها، حذاؤها بالٍ، وساقاها تؤلمها.
حين رفعت نظرها ورأت الفتيات الثلاث، انقبض شيءٌ في صدرها—لا شفقة، بل تعرّف. لقد رأت الرجل من قبل. كان السيد مونرو يأتي كثيرًا، دائمًا وحيدًا، ويطلب الوجبة نفسها. لكن هذه كانت المرّة الأولى التي يحضر فيها مع الفتيات.
جلسوا في الزاوية تحت رفٍّ معدني مكدّس بصوانٍ نظيفة. جلست الفتيات بلا حراك. وضع دانيال السترات على كرسيٍّ جانبي، وقدّم لهنّ قوائم الطعام، لكنهنّ لم يفتحنها. بدلًا من ذلك، ظللن يحدّقن في الرفّ، يتابعن انعكاسات أضواء السيارات المارّة، كأنهنّ يرَين شيئًا لا يراه سواهنّ.
اقتربت إيميلي وهي تحمل إبريق الماء، ولاحظت الأيدي المشدودة تحت الطاولة، والمفاصل الشاحبة. كانت صوفيا ترتجف قليلًا. وحين دوّى الرعد في الخارج، وارتطم مقلاةٌ في المطبخ، استجابت الفتيات في اللحظة نفسها. تراجعت صوفيا إلى الخلف. غطّت ليلي أذنيها وبدأت تتأرجح. تجمّدت مايا، فمها مفتوح، لكن دون صوت.
حاول دانيال تهدئتهنّ، وصوته مضطرب. لم تفكّر إيميلي. مدّت يدها إلى مئزرها وأخرجت دمية دبٍّ زرقاء صغيرة مربوطة بشريطٍ أحمر—كان أحد الزبائن قد نسيها منذ أسابيع. جثت إلى مستوى الفتيات ولوّحت بالشريط برفق، كأنها تحيّيهنّ.
لم تقل شيئًا.
هدأ التأرجح. خفّ الارتجاف. حدّقت الفتيات الثلاث في الدمية كأنها شيءٌ مقدّس. ساد الصمت أرجاء المطعم. ثم همست ليلي بكلمةٍ بدا أنها لم تُستعمَل منذ زمن طويل:
«دبّي».
أسقط دانيال قائمة الطعام من يده. امتلأت عيناه بالدموع. احتضنت ليلي الدمية وشبكت ذراعيها فوقها، في حركة تهدئة ذاتية تعرّفت إليها إيميلي فورًا—الحركة نفسها التي كانت أمّها تستخدمها معها حين كانت خائفة في صغرها.
ومن عند البار، كانت امرأة أنيقة تراقب المشهد باهتمام. كانت كلير مونرو.
شكر دانيال إيميلي وهو ما يزال تحت وقع الصدمة. لم تتكلّم الفتيات منذ عامين. رفضت إيميلي أيّ مقابل، وقالت: «كنّ بحاجة فقط إلى أن يشعرن بالأمان».
في تلك الليلة، وفي غرفتها المستأجرة في كوينز، بكت إيميلي بصوتٍ خافت. فكّرت في شقيقها الأصغر أنتوني، الذي توفّي بالتهاب السحايا لأنهم لم يستطيعوا تحمّل كلفة العلاج في الوقت المناسب. لقد تعلّمت باكرًا كيف تلتقط الإشارات الصغيرة—الخوف في عيون الأطفال، وخطر الصمت.
وعلى الجانب الآخر من المدينة، ظلّ دانيال مستيقظًا، يعيد في ذهنه تلك الكلمة الواحدة: «دبّي». عامان من الأطباء والمتخصّصين فشلوا. نادلة، ولعبة منسيّة، نجحت.
كانت زوجته رايتشل مونرو قد توفّيت بسرطان البنكرياس حين كانت الفتيات في الثالثة. كانت معلّمة موسيقى، لا تكفّ عن الغناء. وحين رحلت، صمتت الفتيات. وصف الأطباء الحالة بـ«الصمت الانتقائي الناتج عن الصدمة». حاول دانيال كلّ ما يمكن للمال أن يشتريه.
⬅️ باقي القصة في الصفحة التالية رقم 2… وما سيُكتشف لاحقًا سيغيّر مصير الجميع.

تعليقات